
تنهد صالح بارتياح حذر، وأخرج القارورة الجلدية ليشرب آخر قطرات الماء المتبقية. كان يعلم أن الوقت ليس في صالحه. الظلام سيجعل الملاحة أصعب، لكنه قد يساعده أيضًا على التخفي. تفحص النجمة الثمانية التي رسمها على قصاصة الورق. لم تكن مجرد رمز، بل بدت كأنها مفتاح. تذكر كلام جده عن الزبير الكناني، وكيف كان مهووسًا بعلم الفلك والنجوم، وأن أسراره غالبًا ما كانت مرتبطة بحركة الأجرام السماوية.
تمتم صالح بكلمات من الشفرة: "الأرض السوداء... حيث لا ماء إلا ما تجود به السماء، ولا ظل إلا ما تلقيه الصخور..." رفع رأسه نحو السماء التي بدأت تظهر فيها أوائل النجوم. ماذا لو كانت النجمة الثمانية لا تشير إلى موقع على الأرض فحسب، بل إلى نمط معين من النجوم يجب أن يظهر في السماء؟
بدأ يتفحص السماء بتركيز، محاولاً ربط شكل النجمة الثمانية بتوزيع النجوم المتلألئة. مرت دقائق طويلة وثقيلة. فجأة، لمعت مجموعة من النجوم بشكل لافت، وعندما حدق بها جيدًا، وجد أنها تشكل بالفعل أضلاعًا لنجمة ثمانية، لكنها كانت ناقصة، ينقصها نجمتان لتكتمل. إحدى النجمتين الناقصتين كانت تشير بوضوح إلى قمة جبل بركاني شاهق، كان يراه كشبح أسود ضخم على الأفق الشرقي.
همس صالح: "جبل العطشان..." كان هذا الاسم مدونًا في إحدى خرائط الحَرَّة القديمة التي درسها قبل رحلته، وكان معروفًا بصعوبة تسلقه وندرة المياه حوله. هل يمكن أن يكون السر هناك؟
قرر صالح المخاطرة. يجب أن يصل إلى سفح الجبل قبل أن يعاود ملاحقوه البحث بشكل منظم مع ضوء القمر الذي بدأ يطل خجولاً. تحرك بحذر شديد، مستغلاً الظلال، وكل حواسه متيقظة. بعد مسير شاق دام أكثر من ساعة، وصل إلى منطقة مختلفة قليلاً، حيث كانت الصخور أقل حدة وأكثر استواءً، وكأنها ساحة طبيعية تحيط بها هضاب صغيرة.
في وسط هذه الساحة، لاحظ صالح شيئًا غريبًا. دائرة من الحجارة المرتبة بعناية، وفي مركزها حجر كبير مسطح عليه نقوش بدت مألوفة. اقترب بحذر، ولمس الحجر. كانت النقوش هي نفسها الموجودة على القطعة المعدنية التي وجدها في بيت جده، والتي كانت جزءًا من الشفرة الأصلية للزبير الكناني! وتحت النقوش، كان هناك رمز النجمة الثمانية، لكن هذه المرة، كانت إحدى نقاطها مشعة بشكل مختلف، وكأنها حُفرت حديثًا أو مُلئت بمادة فسفورية خافتة. كانت النقطة التي تشير إلى "جبل العطشان".
لم يكد صالح يبدأ في فحص النقوش بعناية أكبر، حتى سمع صوتًا حادًا يشق صمت الليل. لم يكن صوت حيوان، بل صوت بشري، صيحة غضب مكتومة. التفت بسرعة، فرأى أحد ملاحقيه يقف على حافة الهضبة المطلة على الساحة، يشير نحوه ويصرخ لرفيقيه اللذين ظهرا خلفه. لقد وجدوه!
لم يكن هناك وقت للتفكير. أمسك صالح بحقيبته وانطلق يجري نحو الاتجاه الذي ظن أنه يؤدي إلى منحدرات "جبل العطشان" الأولى. أطلق أحد الملاحقين صرخة أخرى، وبدأوا بالنزول بسرعة خلفه. هذه المرة، لم يكونوا مجرد أشباح، بل كانوا عازمين على الإمساك به.
لم يكد صالح يبدأ في فحص النقوش بعناية أكبر، حتى سمع صوتًا حادًا يشق صمت الليل. لم يكن صوت حيوان، بل صوت بشري، صيحة غضب مكتومة. التفت بسرعة، فرأى أحد ملاحقيه يقف على حافة الهضبة المطلة على الساحة، يشير نحوه ويصرخ لرفيقيه اللذين ظهرا خلفه. لقد وجدوه!لم يكن هناك وقت للتفكير. أمسك صالح بحقيبته وانطلق يجري نحو الاتجاه الذي ظن أنه يؤدي إلى منحدرات "جبل العطشان" الأولى. أطلق أحد الملاحقين صرخة أخرى، وبدأوا بالنزول بسرعة خلفه. هذه المرة، لم يكونوا مجرد أشباح، بل كانوا عازمين على الإمساك به.
(نهاية الجزء الثالث)
استطاع صالح فك المزيد من ألغاز الشفرة مستعينًا بحكمة الأجداد وعلم النجوم، ووجد دلالة جديدة تقوده نحو "جبل العطشان". لكن خصومه الأعداء كانوا له بالمرصاد، واكتشفوا مكانه مجددًا. الآن، السباق نحو قمة الجبل المحفوف بالمخاطر قد بدأ، وصالح يجد نفسه بين مطرقة التضاريس الوعرة وسندان ملاحقيه العازمين. هل سينجح في الوصول إلى هدفه وكشف "أمانة" الزبير الكناني؟ أم أن لمنافسيه رأيًا آخر؟
[>> لقراءة الجزء الرابع والأخير: كشف الأمانة وختام الشفرة (اضغط هنا)]