شِفرة الحَرَّة - الجزء الأول: سر المخطوطة | مغامرات وتاريخ

 "من بين رفوف المخطوطات العتيقة في قلب مدينة رسول الله، يبدأ 'السطر التالي..!' رحلة جديدة نحو أسرار الماضي المدفونة في صخور الحَرَّة السوداء. نقدم لكم الفصل الأول من مغامرة 'شِفرة الحَرَّة'..."

صالح، مرمم مخطوطات شاب، يعمل بدقة على مخطوطة عربية قديمة وقيّمة في ورشة ترميم.

الفصل الأول: عين المُرَمِّم: 

   كانت رائحة الورق القديم الممزوجة بغبار قرون مضت هي العطر المفضل لدى صالح. في ورشته الهادئة الملحقة بإحدى مكتبات المدينة المنورة العريقة، كان يقضي ساعاته الطويلة منحنيًا فوق المخطوطات الهشة، أصابعه تتحرك بمهارة ودقة اكتسبها عبر سنوات من التدريب والصبر، يعيد الحياة إلى كلمات خطها الأجداد وحفظتها الأيام. لم يكن مجرد عمل، بل كان شغفًا، حوارًا صامتًا مع التاريخ.

في ذلك الأسبوع، كان يعمل على مخطوطة تبدو للوهلة الأولى عادية نسبيًا – نسخة من القرن الهجري الثاني أو الثالث تصف دروب القوافل وطرق الحج والتجارة عبر الحجاز. النص الرئيسي كان واضحًا ومألوفًا للمتخصصين، لكن عين صالح المدربة على التقاط أدق التفاصيل لاحظت شيئًا غريبًا. بين السطور المكتوبة بالحبر الأسود الباهت، وفي الهوامش الضيقة قرب تجليد المخطوطة الجلدي القديم، لمح آثارًا لعلامات دقيقة جدًا، مرسومة بحبر مختلف أفتح لونًا وكأن كاتبها أراد لها أن تختفي مع الزمن أو لا تُرى إلا لمن يبحث عنها بعناية فائقة. لم تكن مجرد زخرفة أو خطأ من الناسخ، بل بدت كرموز منظمة ومقصودة.

لقطة مقربة لصفحة مخطوطة قديمة تظهر رموزًا أو تعليقات مشفرة خفية بين السطور

الفصل الثاني: فك الشفرة الأولى: 

أثار الاكتشاف فضول صالح العميق. ترك عمل الترميم جانبًا مؤقتًا، وبدأ يدرس هذه العلامات الخفية تحت عدسته المكبرة الرقمية. قام بتصويرها بدقة، وحاول تحليلها باستخدام معرفته بالخطوط العربية القديمة وأنظمة التدوين التاريخية. لم تكن لغة واضحة، بل أقرب إلى شيفرة بسيطة تعتمد على رموز وحروف مقطعة.

بعد أيام من العمل المتقطع والمقارنة بين الصفحات المختلفة التي ظهرت فيها هذه العلامات، بدأ نمط معين بالظهور. بدت الرموز وكأنها تشير إلى اتجاهات ومعالم جغرافية، وبعضها بدا شبيهًا برموز فلكية قديمة تستخدم لتحديد المواقع ليلاً. والأكثر إثارة، تكرر رمز معين بجانب اسم ورد بشكل عابر في النص الرئيسي: "زبير بن عمرو الكناني"، وهو شاعر وعالم فلك يُعرف أنه عاش في صدر الإسلام وكان له رحلات في أنحاء الجزيرة العربية، لكن الكثير من تفاصيل حياته وأعماله ظلت غامضة ويُشاع أنه فقد بعضًا من أهم أدواته وكتاباته خلال فترة الفتنة الأولى.

شيئًا فشيئًا، نجح صالح في فك أجزاء من الشيفرة. لم تكن خريطة كنز بالمعنى التقليدي، بل كانت أشبه بمجموعة تعليمات مشفرة تصف مسارًا يقود إلى مكان محدد داخل "الحَرَّة" الشاسعة والوعرة شرق المدينة – ربما حرة رهط أو إحدى الحرّات المجاورة لها – حيث تم إخفاء "أمانة" تخص الزبير الكناني. لم تحدد الشيفرة طبيعة الأمانة، لكنها أشارت إلى أهميتها القصوى وضرورة الحفاظ عليها "حتى يأتي زمانها".

صالح يخطط لرحلته الاستكشافية، يتفحص خرائط حديثة وقديمة لمنطقة الحرة البركانية.

الفصل الثالث: عبء التاريخ: 

شعر صالح بقشعريرة تسري في جسده وهو ينظر إلى الرموز المترجمة أمامه. هل اكتشف بالصدفة سرًا تاريخيًا ظل مدفونًا لأكثر من ثلاثة عشر قرنًا؟ بدأ يبحث بنهم عن كل ما يمكن معرفته عن الزبير الكناني وعن تلك الفترة المضطربة من التاريخ الإسلامي المبكر. وجد إشارات متفرقة في كتب التراجم تؤكد اهتمام الكناني بعلم الفلك وصناعة الأدوات الدقيقة، وشغفه بالشعر ووصف دروب الصحراء، وكذلك بعض الروايات الغامضة عن اختفاء جزء من مكتبته وأدواته خلال الفتنة.

كل معلومة جديدة كانت تزيد من يقين صالح بأنه أمام اكتشاف حقيقي ومهم. لم يعد الأمر مجرد فضول أكاديمي، بل أصبح شعورًا بالمسؤولية تجاه هذه "الأمانة" التاريخية. من حقه، بل من واجبه كمرمم وباحث، أن يحاول الوصول إليها والتأكد من سلامتها، وربما كشف جانب جديد من تاريخ منطقته وتراثها العلمي والأدبي.

بدأ صالح بالتخطيط لرحلة استكشافية إلى الحرة. لم تكن مهمة سهلة؛ فالحرّات معروفة بوعورتها الشديدة، ومسالكها الصعبة، وندرة المياه فيها، وقلة من يجرؤ على التوغل في أعماقها. درس الخرائط الطبوغرافية الحديثة وقارنها بالإشارات الموجودة في الشيفرة، محاولاً تحديد أفضل مسار ممكن. جمع معدات بسيطة للرحلات الصحراوية، ورتب أمر إجازة قصيرة من عمله. قرر أن يبقي الأمر سرًا في البداية، لكنه شعر بحاجته لمشورة خبير يثق به. تحدث بحذر مع شيخه وأستاذه في علم المخطوطات، وهو مؤرخ كبير في السن من أهل المدينة، وكشف له عن جزء مما توصل إليه. استمع الشيخ باهتمام بالغ، ثم قال بعد صمت طويل: "الحرّة تخفي أسرارًا كثيرة يا صالح، بعضها مبارك وبعضها خطير. إذا عزمت على المسير، فكن حذرًا، واستعن بالله، واحترم المكان وأهله الذين قد لا تراهم... فبعض الأمانات لها حراسها." زادت كلمات الشيخ من رهبة صالح، لكنها أيضًا زادت من عزيمته.


(نهاية الجزء الأول)

لقد كشفت مخطوطة قديمة لصالح عن سر دفين وشيفرة غامضة تقود إلى قلب الحرة الوعرة. مدفوعًا بشغفه بالتاريخ وشعوره بالمسؤولية، يستعد الآن لمغامرة محفوفة بالمخاطر لاستكشاف المجهول. ماذا سيجد في تضاريس الحرة السوداء؟ وهل ستكون "الأمانة" بانتظاره؟ أم أن هناك تحديات أخرى، وربما "حراس"، سيواجهونه في طريقه؟ الرحلة بدأت للتو...

[>> لقراءة الجزء الثاني: رحلة في الأرض السوداء (اضغط هنا)]


مدونة السطر التالي..! https://theneextline.blogspot.com

تعليقات