لقراءة الجزء السابق:
بعد يومين من الاستعدادات المكثفة، ودّع صالح شيخه المؤرخ، وانطلق بسيارته رباعية الدفع نحو مشارف الحَرَّة الشاسعة شرق "المدينة". ترك السيارة مخبأة بعناية في وادٍ صغير، وحمل حقيبة ظهر تحتوي على ضروريات البقاء: ماء قليل وتمر، بوصلة، نسخة من الشيفرة التي فكها، ومصباح يدوي صغير. كانت الشمس قد بدأت رحلتها نحو كبد السماء عندما خطا أولى خطواته فوق الأرض البركانية السوداء.
سرعان ما أدرك صالح أن وصف شيخه للحَرَّة بأنها "تخفي أسرارًا خطرة" لم يكن مبالغًا فيه. كانت الأرض عبارة عن بحر متجمد من الصخور البازلتية الحادة والهشة، تتخللها فوهات براكين خامدة وتلال من الرماد البركاني الناعم الذي يغوص فيه القدم. الحرارة كانت شديدة، تنعكس من الصخور السوداء لتزيد من وطأتها. لم يكن هناك أي أثر لطريق واضح، فقط تضاريس وعرة تتطلب تركيزًا شديدًا في كل خطوة لتجنب الالتواء أو السقوط. كان يتقدم ببطء، مستعينًا بالبوصلة وبالمعالم الطبيعية التي ذكرتها الشيفرة كدليل، ويشعر بعظمة ووحشة هذا المكان الذي يبدو وكأنه من عالم آخر. قلة الماء وصعوبة المسير بدأت تستنزف قواه بسرعة أكبر مما توقع.
الفصل الخامس: علامات وحراس؟:
بعد يوم كامل من السير المضني، ومع اقتراب غروب الشمس، وصل صالح إلى أول معلم رئيسي ذكرته الشيفرة: مجموعة من ثلاثة مخاريط بركانية صغيرة متجاورة تشكل مثلثًا. بدأت الشيفرة تتحدث عن "ظل المخروط الأوسط عند أول ضوء للقمر في الليلة الثالثة عشرة". لحسن حظه، كانت الليلة هي ليلة البدر تقريبًا. أعد مخيمًا بسيطًا وانتظر.
عندما ارتفع القمر وألقى ضوءه الفضي البارد على الأرض السوداء، امتد ظل المخروط البركاني الأوسط كإصبع عملاق يشير إلى صخرة كبيرة ومنعزلة. اقترب صالح منها، وبدأ يتفحصها على ضوء مصباحه. في البداية، لم يجد شيئًا. لكن عندما مرر يده على سطحها الخشن، شعر بنتوءات دقيقة. أزال الغبار المتراكم بعناية، ليكتشف نقشًا بدائيًا بسيطًا ولكنه واضح: رمز نجمة ثمانية، نفس الرمز الذي تكرر في هوامش المخطوطة بجانب اسم الزبير الكناني!
شعر صالح بنشوة الاكتشاف، لكنه شعر أيضًا بشيء آخر... شعور غريب بأنه ليس وحيدًا، بأن هناك عيونًا تراقبه من بين الصخور المظلمة. تلفت حوله بحذر، لكنه لم يرَ شيئًا سوى صمت الحَرَّة المطبق تحت ضوء القمر. هل كان مجرد وهم بسبب الإرهاق والعزلة؟ أم أن كلمات شيخه عن "حراس الأمانات" بدأت تتحقق؟ في الصباح، وجد قرب مكان نومه أثرًا غريبًا لطائر جارح كبير لم يره من قبل، وكومة صغيرة من الحجارة لم تكن موجودة هناك في الليلة السابقة، مرتبة بشكل يوحي بأنها رسالة صامتة... ربما تحذير، أو ربما مجرد اختبار.
الفصل السادس: ظل المنافس:
واصل صالح رحلته لليومين التاليين، متبعًا العلامات والاتجاهات التي كشفتها له الشيفرة ونقش النجمة. كانت رحلة شاقة، يصارع فيها العطش والإرهاق والشكوك التي بدأت تساوره. لكن كلما اقترب من هدفه المفترض، زاد إصراره.
في عصر اليوم الثالث داخل الحَرَّة، وبينما كان يتسلق تلة بركانية صغيرة ليتفحص الأفق، لمح شيئًا جعله يتجمد في مكانه. على بعد عدة كيلومترات، رأى ثلاث نقاط صغيرة تتحرك ببطء في نفس الاتجاه العام الذي يسلكه. لم يكونوا بدوًا رحل، فمسارهم بدا محددًا ومقصودًا. استخدم منظارًا صغيرًا كان قد أحضره، واستطاع أن يميز بالكاد أنهم ثلاثة رجال، يرتدون ملابس داكنة ويحملون حقائب ظهر، يبحثون ويتفحصون الأرض كمن يتبع أثرًا.
شعر صالح بالخطر يضيق عليه. هل يمكن أن يكونوا هم نفس الأشخاص الذين شعر بمراقبتهم له عند نقش النجمة؟ أم أن هناك آخرين علموا بطريقة ما بسر المخطوطة ويسعون وراء نفس "الأمانة"؟ لم يكن يعرف، لكنه أدرك أن رحلته لم تعد مجرد صراع ضد الطبيعة وقسوتها، بل أصبحت سباقًا ضد منافس مجهول قد يكون أكثر خطورة من وحشة الحَرَّة نفسها. لقد أصبح مطاردًا.
(نهاية الجزء الثاني)
لقد قادته الشيفرة إلى قلب الحَرَّة، وكشفت له عن علامات من الماضي السحيق. لكن صالح لم يعد وحيدًا في هذه الرحلة؛ فهناك عيون تراقبه، ومنافسون غامضون يسيرون على خطاه. من هم هؤلاء الملاحقون؟ وماذا يريدون من "أمانة" الزبير الكناني؟ وهل سيتمكن صالح من الوصول إلى وجهته قبلهم؟ المغامرة تزداد خطورة، والأسرار تتعمق...
[>> لقراءة الجزء الثالث : همسات الأرض العطشى (اضغط هنا)]
مدونة السطر التالي..!