لقراءة الأجزاء السابقة:
بُستان المُرّ - الجزء الأول: همسات من الحِجر بُستان المُرّ - الجزء الثاني: عبر الرمال الملتهبة بُستان المُرّ - الجزء الثالث: الدرب الخفي
الفصل الثالث عشر: دخول الأسطورة:
دفعوا الحجر جانبًا ودخلوا الفتحة الضيقة واحدًا تلو الآخر، ليجدوا أنفسهم في ممر طبيعي منحدر ومظلم. ساروا بحذر على ضوء مشعل صغير كان مع فريد، والهواء يزداد برودة ورطوبة مع كل خطوة، ورائحة المرّ النقية والغنية تملأ أنوفهم بشكل لم يعهدوه من قبل. بعد مسيرة قصيرة، انفتح الممر فجأة على مشهد خَطَفَ أنفاسهم.
لم تكن واحة عادية، بل كانت أشبه بجنة سرية تقع في جوف الأرض، مضاءة بنور ناعم ومنتشر مصدره غير واضح، ربما من فتحة بعيدة في سقف الكهف الضخم أو من توهج خافت للنباتات نفسها. أشجار مرّ عملاقة ذات جذوع ملتوية ومعمرة تمتد فروعها لتلامس بعضها البعض، وتنضح من لحائها قطرات ذهبية لامعة من الصمغ النقي. أرضية الواحة مغطاة بنباتات خضراء مورقة وأزهار غريبة ذات ألوان زاهية، ويتدفق عبرها جدول ماء صافٍ يلمع كالكريستال. كانت البيوت قليلة وبسيطة، مبنية من الطين والصخور ومنسجمة تمامًا مع الطبيعة المحيطة، وكأنها نبتت من الأرض نفسها. استقبلهم عدد قليل من السكان بملابس بسيطة ووجوه هادئة، نظراتهم تحمل فضولاً حذرًا ولكن لا عدائية فيها. لقد وصلوا أخيرًا... إلى "بُستان المُرّ".
الفصل الرابع عشر: حقيقة الحراس:
قادهم أحد الحراس بصمت إلى أكبر البيوت، حيث استقبلتهم امرأة عجوز ذات وجه مجعد وملامح تنم عن حكمة وقوة هادئة. قدمت نفسها باسم "أميرة"، كبيرة الحراس. تحدثت بلهجة عربية قديمة ونقية، وسألتهم عن سبب مجيئهم إلى هذا المكان المحمي. روى لها زيد قصته بتردد، عن جده، وعن الخريطة، وعن رحلته الطويلة. عرض عليها قطعة الجلد البالية.
نظرت أميرة إلى الخريطة طويلاً، ثم ابتسمت بحزن. "جدك كان واحدًا من القلائل الذين عرفوا جزءًا من السر وغادروا بسلام... لقد أقسم أجدادنا الأوائل، الذين اكتشفوا هذا النبع الفريد وهذه الشجرة المباركة، على حمايتها من طمع العالم الخارجي. المرّ الذي ينبت هنا ليس كغيره؛ إنه يشفي الجسد ويهدئ الروح، لأنه يتغذى مباشرة من 'قلب الأرض'، من المياه الجوفية النقية التي لم تلوثها يد بشر. لو عرف التجار بقوته الحقيقية، لأبادوا المكان بحثًا عن الثروة، ولكسروا التوازن الدقيق الذي يحفظ حياة هذه الواحة... وحياتنا معها. نحن لسنا مجرد حراس، يا بني، نحن جزء من هذا البستان، نرعاه ويرعانا."
الفصل الخامس عشر: الثمن والخيار:
شعر زيد ورفاقه بالرهبة والإعجاب أمام حكمة أميرة وصدقها. أدركوا الآن قيمة المكان الذي وصلوا إليه، والمسؤولية التي ورثها زيد عن جده. ليلى رأت في نباتات الواحة كنزًا من المعرفة العلاجية المفقودة، وفريد وجد في هدوء المكان وسلام حراسه ما كان يبحث عنه طويلاً. لكن سلامهم لم يدم.
فجأة، دوت صرخات من مدخل الواحة. لقد عاد جابر ورجاله، يبدو أنهم وجدوا المدخل أو تبعوا آثارهم عن قرب. اندفعوا إلى داخل البستان، عيونهم تلمع بالجشع وهم يرون أشجار المرّ الثمينة، غير مكترثين بقدسية المكان أو حياة حراسه. لم يكن هناك وقت للتفكير. انضم زيد وفريد وليلى إلى الحراس القلائل للدفاع عن البستان. استخدم زيد قوته ومعرفته بالصخور لإعاقة المهاجمين، بينما قاتل فريد بضراوة مستخدمًا كل خبرته كحارس مخضرم، واستخدمت ليلى معرفتها بالنباتات لصنع مساحيق مهيجة ألقتها في عيون المهاجمين. كانت معركة يائسة للدفاع عن مكان مسالم ضد وحشية الجشع.
بفضل شجاعتهم المشتركة ومعرفتهم بالمكان، تمكنوا من صد الهجوم، وأسر جابر ورجاله بعد أن فقدوا وعيهم بسبب أبخرة أحد نباتات ليلى المخدرة. في خضم الفوضى، نظر زيد إلى قطعة الخريطة الجلدية في يده، ثم إلى وجه أميرة الهادئ. أدرك أن وجود هذه الخريطة في العالم الخارجي هو الخطر الحقيقي. بحركة حاسمة، أشعل نارًا صغيرة وألقى قطعة الجلد في اللهب، لتلتهمها النيران وتتحول إلى رماد، قاطعًا بذلك آخر خيط يربط العالم الخارجي بسر "بُستان المُرّ".
الفصل السادس عشر: أصداء على الريح (الخاتمة):
بعد أيام قليلة قضوها في الواحة للتعافي وتبادل المعرفة بحذر مع الحراس، حان وقت الرحيل. ودعتهم أميرة بامتنان، وأعطت كل واحد منهم كيسًا صغيرًا يحتوي على كمية قليلة من صمغ المرّ النقي، ليس للتجارة، بل للشفاء الشخصي والحماية الروحية، مع قسم منهم بالحفاظ على السر.
خرج الثلاثة من الفتحة السرية وعادوا إلى الصحراء الشاسعة، لكنهم لم يعودوا نفس الأشخاص الذين دخلوا. لقد رأوا أسطورة تتحول إلى حقيقة، وواجهوا خطرًا حقيقيًا، واتخذوا خيارات صعبة حددت مصير مكان مقدس.
عادوا إلى طريق البخور الرئيسي، لكن دروبهم افترقت. لم يعد زيد إلى الحِجر ونحت المقابر؛ فلقد وجد معنى أعمق للحياة في الحفاظ على القصص والمعارف المنسية، ربما أصبح رحالة يرسم خرائط للدروب الخفية أو يجمع الحكايات القديمة. ليلى، استمرت في تجارة التوابل، لكنها أضافت إليها شغفًا جديدًا بالبحث عن النباتات العلاجية النادرة ومعرفتها التقليدية، مستخدمةً ما تعلمته في البستان لمساعدة الآخرين. أما فريد، فقد اعتزل حياة القوافل المليئة بالجشع والعنف، واختار حياة أكثر هدوءًا، ربما كحارس لواحة صغيرة أو مرشد للمسافرين التائهين في الصحراء، حاملًا معه ذكرى البستان المسالم.
أما "بُستان المُرّ"، فبقي سرًا محفوظًا، همسة على رياح الصحراء، أسطورة تتناقلها الأجيال القليلة التي تؤمن بوجود أماكن تتجاوز منطق التجارة والربح. لقد تعلم زيد ورفاقه أن أعظم الكنوز ليست تلك التي يمكن بيعها، بل تلك التي تغير الروح، وأن أروع المغامرات هي التي تكشف لنا ليس فقط عن أسرار العالم، بل عن أسرار أنفسنا أيضًا. لقد انتهت رحلتهم إلى البستان، لكن أصداءها ستبقى تتردد في حياتهم... وفي "السطر التالي" من حكايات الصحراء التي لا تنتهي.
(نهاية القصة)
رحلة ملحمية على طريق البخور وصلت إلى نهايتها، تاركة وراءها أثرًا عميقًا في نفوس أبطالها وفي خيالنا. "بُستان المُرّ" يذكرنا بوجود عوالم خفية وقيم أثمن من الذهب في تاريخنا وتراثنا.
نأمل أن تكون هذه المغامرة التاريخية قد نالت إعجابكم في مدونة "السطر التالي..!" يمكنك قراءة القصة كاملة من البداية عبر الروابط أعلاه، أو اكتشاف قصص أخرى في أقسامنا المتنوعة. للوصول إلى فهرس القصص، اضغط هنا.
مدونة السطر التالي..!