لقراءة الأجزاء السابقة:
- بذرة الصحوة – الجزء الأول: الرنين العرضي.
- بذرة الصحوة – الجزء الثاني: مواجهة الظلال.
الفصل الأول: تحت المجهر:
أغلقت دانة جهاز التواصل بيد مرتعشة بعد مكالمة العميلة هاجر. لم يكن مجرد شعور بالمراقبة، بل تأكيدًا رسميًا، وإن كان مبطنًا، بأن "إدارة الإزهار" تعرف كل شيء. نظرت إلى نديم الذي كان يراقبها بقلق، وقالت بصوت خافت: "لم نعد وحدنا في هذا يا نديم. لقد أصبحنا هدفًا واضحًا." أومأ نديم برأسه، وبدت على وجهه علامات تصميم لم ترها دانة من قبل. قال نديم: "إذا كانوا يعتقدون أننا سنجلس وننتظر، فهم مخطئون. يجب أن نعرف ماذا يريدون، وما هي حقيقة هذه 'البذرة' التي أيقظت ما بداخلنا."
الأيام التالية تحولت إلى لعبة قط وفأر حذرة. شعرت دانة ونديم بأن كل حركة لهما مرصودة، وأن جدران "السدرة البيضاء" الزجاجية
البراقة أصبحت سجنًا شفافًا. حاولا أن يعيشا حياتهما بشكل طبيعي، لكنهما كانا يبحثان في الخفاء، مستخدمين مهاراتهما العلمية المشتركة، عن أي معلومات حول "إدارة الإزهار" أو عن حالات مشابهة لحالتهما، أو عن المصدر الحقيقي لتلك الطاقة المنبعثة من بذور السدر القديمة.
الفصل الثاني: همسات في الظل:
في إحدى الليالي، أثناء فحصهما لبيانات قديمة حول الحفريات الأثرية في موقع تأسيس "السدرة البيضاء"، عثر نديم على إشارة غامضة إلى "حراس البذرة"، وهي جماعة سرية قديمة يُعتقد أنها كانت تحمي أماكن نمو أشجار السدر النادرة ذات الخصائص الفريدة. لم تكن هناك تفاصيل كثيرة، مجرد أساطير متناثرة. قالت دانة بانفعال: "هل يمكن أن تكون هذه البذور التي فعلتها في المختبر ليست مجرد بذور عادية؟ هل هي جزء من شيء أعمق وأقدم؟" في تلك الأثناء، تلقت دانة رسالة مشفرة على جهازها الشخصي. لم تكن من العميلة هاجر، بل من مصدر مجهول، تحتوي على إحداثيات لموقع مهجور في القطاع الصناعي القديم للمدينة، مع عبارة واحدة: "الحقيقة تنتظر من يبحث عنها بصدق." ترددت دانة، لكن نديم شجعها قائلاً: "قد تكون فخًا، وقد تكون فرصتنا الوحيدة لمعرفة المزيد قبل أن تتحرك الإدارة بشكل كامل."
الفصل الثالث: لحظة الحقيقة:
توجها إلى الموقع المحدد بحذر شديد. كان مصنعًا قديمًا لمعالجة المياه، مهجورًا وتحيط به النباتات البرية. في الداخل، وجدا شخصًا يجلس في الظل. عندما اقتربا، وقفت... كانت العميلة هاجر. قالت هاجر بهدوء، دون أي أثر للتهديد في صوتها: "كنت أعرف أن فضولكما سيقودكما إلى هنا. 'إدارة الإزهار' ليست عدوكم بالضرورة، يا دكتورة دانة، يا أستاذ نديم." كشفت هاجر أنهما ليسا الوحيدين اللذين يحملان "البذرة"، وأن هناك آخرين قد بدأت قدراتهم في الظهور في أنحاء متفرقة من المدينة. وأوضحت أن "إدارة الإزهار" تأسست في الأصل لحماية التوازن الدقيق للمدينة، وأن ظهور هذه القدرات المفاجئة يُعتبر تهديدًا محتملاً لهذا التوازن إذا تُركت دون فهم أو توجيه. قالت هاجر: "البذور التي قمتِ بتفعيلها يا دكتورة، هي سلالة نقية ونادرة جدًا، كانت تُعرف بقدرتها على 'إيقاظ' الإمكانات الكامنة في الكائنات الحية المتوافقة معها، خاصة تلك التي تحمل استعدادًا وراثيًا معينًا. هدفنا ليس قمعكم، بل فهمكم... وربما حمايتكم." لم يكد نديم يفتح فمه ليسأل، حتى انفتح باب المصنع فجأة، ودخل فريق مدجج بالسلاح من أفراد "إدارة الإزهار" يرتدون بزات واقية، يتقدمهم رجل بملامح صارمة. صاح الرجل بصرامة: "عميلة هاجر، مهمتك انتهت. دكتورة دانة، أستاذ نديم، ستأتيان معنا الآن."الفصل الرابع: رياح التغيير:
شعرت دانة بالهواء يتكثف حولها، ليس مجازيًا، بل فعليًا. نظرت إلى نديم، ورأت قطرات الماء تتجمع في الهواء من حوله، تشكل درعًا مائيًا صغيرًا. لقد فعّلا قدراتهما بشكل لا إرادي، استجابة للخطر المحدق. قال الرجل ذو الملامح الصارمة، والذي بدا أنه قائد الفريق: "لا تجعلوا الأمر أصعب عليكم. هذه القدرات غير مستقرة، وقد تؤذون أنفسكم والآخرين." تدخلت هاجر بسرعة، ووقفت بين الفريق وبين دانة ونديم. قالت هاجر بحزم: "سيدي المدير، أعتقد أن هناك سوء فهم. هؤلاء ليسوا أعداء، بل مفتاح لفهم ما يحدث. العنف لن يحل شيئًا." نظر المدير إلى هاجر بحدة، ثم إلى دانة ونديم اللذين كانا يستعدان للدفاع عن نفسيهما. للحظة، ساد صمت مشحون بالتوتر. فجأة، اهتزت الأرض تحت أقدامهم، وانبعث ضوء أخضر باهت من شقوق في أرضية المصنع، مصحوبًا بصوت يشبه الهمس العميق أو الرنين الذي سمعته دانة لأول مرة في مختبرها. النباتات البرية المحيطة بالمصنع بدأت تنمو بسرعة وتتوهج بشكل غريب. صاحت دانة بدهشة: "إنها... إنها الأرض نفسها! إنها تستجيب لنا!" أدرك الجميع في تلك اللحظة – دانة، نديم، هاجر، وحتى المدير وفريقه – أن الأمر أكبر بكثير من مجرد قدرات فردية. كانت "بذرة الصحوة" ليست مجرد جينات، بل ارتباط عميق بالطبيعة الحية للمدينة، إرادة قديمة تستيقظ من جديد.
الفصل الخامس: فجر جديد للسدرة البيضاء؟
في مواجهة هذه الظاهرة غير المسبوقة، والتي بدأت تنتشر كصدى في أنحاء أخرى من "السدرة البيضاء" حيث يوجد "المستيقظون" الآخرون، تراجع المدير وفريقه. لم تعد المسألة مجرد احتواء أفراد، بل فهم تحول جذري يحدث في المدينة. قررت "إدارة الإزهار"، بتأثير كبير من العميلة هاجر التي قدمت تقريرًا مفصلاً عن طبيعة "البذرة" وارتباطها العضوي بالمدينة وسكانها، تغيير نهجها من المراقبة والاحتواء إلى البحث والتعاون.
اجتمعت دانة ونديم وآخرون ممن استيقظت فيهم "البذرة" مع علماء من "إدارة الإزهار"، بما فيهم هاجر، في محاولة لفهم هذه القوة الجديدة وتوجيهها لما فيه خير "السدرة البيضاء" وسكانها. لم تكن الطريق سهلة، فقد كان هناك خوف وشك من كلا الطرفين، ولكن الأمل في مستقبل تتعايش فيه التكنولوجيا المتطورة مع هذه القدرات الطبيعية المستيقظة كان هو الدافع.
أدركت دانة أن تجربتها لم تكن مجرد حادث علمي، بل كانت شرارة لإيقاظ شيء أعمق، ربما كانت "السدرة البيضاء" نفسها، بكل ما فيها من حياة وتكنولوجيا، تنتظر هذه اللحظة لتُزهر بشكل مختلف، شكل يجمع بين إبداع الإنسان وإرادة الطبيعة. لم تعد "بذرة الصحوة" مجرد قدرات خارقة، بل أصبحت رمزًا لمستقبل جديد محتمل، مستقبل يحمل في طياته تحديات هائلة، ولكنه أيضًا يحمل وعدًا بتناغم أعمق بين الكائن الحي وبيئته.
(نهاية القصة)
انتهت رحلة دانة ونديم الأولية في عالم "بذرة الصحوة" ليس بنهاية حاسمة، بل ببداية مرحلة جديدة تمامًا. لقد كُشفت الأسرار الأولية، وتحولت المواجهة إلى حوار، والخوف إلى فضول. مدينة السدرة البيضاء تقف على أعتاب تغيير جذري، حيث يجب على سكانها، سواء كانوا من "المستيقظين" أو من البشر العاديين، أو حتى من "إدارة الإزهار" نفسها، أن يتعلموا كيف يتعايشون مع هذه الإرادة الطبيعية الجديدة التي استيقظت، وأن يقرروا معًا شكل الإزهار القادم لمدينتهم الفريدة.