"في مدينة تتنفس فيها التكنولوجيا وتنمو فيها الطبيعة بشكل لم يسبق له مثيل، تطلق تجربة علمية صدىً غير متوقع يوقظ قوى كامنة. 'السطر التالي..!' تدعوكم لاستكشاف بداية حكاية 'بذرة الصحوة'..."
الفصل الأول: مدينة السدرة البيضاء:
لم تكن "مدينة السدرة البيضاء" مجرد اسم، بل كانت فلسفة حياة تجسدت في عمارة وبيئة. بعد أن أجبرت قسوة المناخ الأجيال السابقة على هجر المدن التقليدية، بُنيت هذه المدينة المعجزة كملاذ يعتمد على الاندماج التام بين الهندسة الحيوية المتقدمة والتكنولوجيا المستدامة. هياكل المباني البيضاء اللامعة كانت تنمو وتتنفس، تتخللها شلالات من النباتات الخضراء المورقة وأنظمة تنقية هواء طبيعية. أشجار السدر العتيقة، التي أُحضرت بذورها من الماضي السحيق وأُعيد إحياؤها، تم دمجها بفن في قلب التصاميم، فروعها تمتد لتشكل جسورًا طبيعية ومظلات وارفة. كانت الطاقة تأتي من الشمس والرياح والتحلل الحيوي، وكل شيء مُدار بكفاءة هادئة بواسطة شبكة ذكاء اصطناعي بيولوجي متكاملة تتفاعل مع إيقاع المدينة وسكانها.
في أحد مختبرات "مركز أبحاث التناغم الحيوي" المرموق في المدينة، كانت الدكتورة دانة المحمد تقضي أيامها تستمع إلى "أغاني" النباتات. كباحثة متخصصة في الصوتيات الحيوية، كان عملها يتركز على فهم كيف تؤثر الترددات الصوتية الدقيقة والموجات فوق الصوتية على نمو الخلايا النباتية وتواصلها. كانت دانة شابة لامعة ومبدعة، لكن أبحاثها غالبًا ما كانت تُعتبر "نظرية أكثر من اللازم" من قبل زملائها الأكثر تركيزًا على التطبيقات المباشرة للهندسة الوراثية أو المواد الحيوية. كانت مفتونة بشكل خاص بالتراث الجيني لأشجار السدر القديمة، مؤمنة بأنها تحمل أسرارًا تتجاوز مجرد القدرة على تحمل الجفاف.
الفصل الثاني: تجربة السدرة:
كانت تجربة اليوم مختلفة. حصلت دانة أخيرًا على موافقة لاستخدام مجموعة نادرة جدًا من بذور السدر التي تم حفظها بتقنيات التجميد العميق، بذور يعود تاريخها إلى ما قبل عصر التصحر الكبير. هدفها كان محاولة "إيقاظ" بعض المسارات الجينية الكامنة فيها باستخدام مزيج معقد من الترددات الرنينية المنخفضة ومحفزات نانوية مصممة خصيصًا للتفاعل مع الحمض النووي القديم.
وضعت البذور بعناية في حجرة الاحتواء البيولوجي، وبدأت بتشغيل تسلسل الترددات المعقد الذي صممته. راقبت المؤشرات الحيوية للبذور على شاشاتها بأعصاب مشدودة. في البداية، بدا كل شيء طبيعيًا، مجرد ارتفاع طفيف في النشاط الأيضي للخلايا. لكن عندما وصلت الترددات إلى نمط رنيني معين كانت قد حسبته بناءً على تحليلها للتركيب الجزيئي للبذور، حدث شيء غير متوقع تمامًا.
انطلقت ومضة قوية من الضوء الأخضر المزرق من داخل الحجرة، مصحوبة بموجة طاقة غريبة وغير قابلة للقياس بالأدوات التقليدية. أجهزة الاستشعار أظهرت قراءات فوضوية للحظات، ثم انطلقت أجهزة الإنذار في المختبر. توقفت التجربة تلقائيًا، وعاد كل شيء إلى طبيعته بسرعة، تاركًا وراءه فقط بذور السدر التي بدت ساكنة كما كانت، ورائحة أوزون خفيفة في الهواء، وشعورًا غريبًا بالكهرباء الساكنة على جلد دانة. لقد كان مجرد "ارتجاع طاقي" غير متوقع، هكذا فسرته أجهزة تحليل الأمان الأولية، وتم تسجيل الحادث كخلل بسيط في المعدات. لكن دانة شعرت بأن ما حدث كان أعمق من ذلك.
الفصل الثالث: همسات الريح:
في الأيام القليلة التي تلت التجربة، حاولت دانة نسيان الأمر والتركيز على تحليل البيانات، التي لم تظهر أي شيء شاذ باستثناء تلك القفزة الطاقية الغامضة. لكنها بدأت تلاحظ أشياءً غريبة تحدث حولها... أو ربما لها.
في البداية، كانت مجرد أحاسيس طفيفة. شعور مفاجئ بنسيم بارد يداعب وجهها رغم أن نوافذ المختبر مغلقة ونظام التهوية يعمل بثبات. ملاحظة أن بعض الأوراق الخفيفة على مكتبها تتحرك أحيانًا بشكل طفيف دون سبب واضح. ثم بدأت تشعر بحساسية مفرطة لتيارات الهواء؛ أصبحت تستطيع تحديد اتجاه النسيم الخارجي حتى وهي داخل المبنى، وتشعر بتغيرات الضغط الجوي الدقيقة قبل حدوثها.
"مجرد إرهاق وتوتر،" قالت لنفسها، محاولة إيجاد تفسير منطقي. ربما أثر عليها الحادث الطاقي أكثر مما تظن. لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. في إحدى المرات، وهي تحمل كوبًا من القهوة الساخنة، تعثرت قدمها، وكادت أن تسقط الكوب وتنسكب محتوياته الحارقة عليها، لكنها شعرت في تلك اللحظة باندفاعة هواء مفاجئة وغير مرئية أبطأت سقوط الكوب بما يكفي لتلتقطه في الهواء قبل أن يتحطم. وقفت متجمدة للحظة، قلبها يخفق بقوة. هذا لم يكن مجرد إرهاق.
الفصل الرابع: ليس مجرد خلل:
جاءت اللحظة التي لم يعد فيها مجال للإنكار بعد يومين. كانت تعمل في وقت متأخر على تحليل إحدى عينات البذور تحت مجهر رقمي متطور متصل بشاشة عرض كبيرة. رفعت يدها لتعديل إضاءة المجهر، لكن قبل أن تلمس الزر، انزلقت أداة معدنية ثقيلة كانت موضوعة بشكل غير ثابت على الرف العلوي فوق الشاشة، وبدأت بالسقوط مباشرة نحو شاشة العرض باهظة الثمن. لم يكن هناك وقت للتفكير أو الحركة، صرخت دانة لا إراديًا وأغمضت عينيها متوقعة صوت التحطم...
لكن الصوت لم يأتِ. فتحت عينيها بحذر، لتجد الأداة المعدنية معلقة في الهواء على بعد سنتيمترات قليلة فوق الشاشة، تتأرجح بلطف كأن تيار هواء خفيًا وقويًا يمسك بها! استمر الأمر لثانية أو اثنتين، ثم سقطت الأداة بهدوء على الطاولة بجانب الشاشة دون أن تسبب أي ضرر.
وقفت دانة متسمرة في مكانها، تحدق في الأداة، ثم في يدها الممدودة التي كانت قد رفعتها بشكل غريزي. لم يكن الأمر مصادفة أو وهماً. لقد فعلت ذلك بطريقة ما. هي... أو شيء بداخلها استجاب لرغبتها اليائسة في حماية الشاشة.
شعرت بمزيج من الذهول والخوف والرعب. ما الذي حدث لها؟ هل أثرت عليها طاقة التجربة الغامضة؟ هل أيقظت شيئًا في جيناتها؟ تذكرت التقارير التي تجاهلتها الإدارة عن "شذوذ في الارتجاع البيولوجي" لدى بعض العاملين في قطاعات أخرى بالمدينة تتعامل مع ترددات مشابهة أو مواد بيولوجية معدلة. هل كانت هي الآن واحدة من هذه "الحالات الشاذة"؟ أدركت دانة أن حياتها الهادئة كباحثة قد انتهت للتو، وأنها دخلت منطقة مجهولة تمامًا، منطقة قد تكون رائعة... أو خطيرة بشكل لا يمكن تصوره. بذرة الصحوة قد نبتت، وكان عليها أن تفهم طبيعتها قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة تمامًا.
(نهاية الجزء الأول)
لقد أيقظت تجربة علمية قدرة غامضة وغير متوقعة لدى دانة. هل هي نعمة أم نقمة؟ وهل هي الوحيدة التي تحمل هذه "البذرة" في مدينة السدرة البيضاء؟ الأسرار بدأت تتكشف، ومخاطر جديدة تلوح في الأفق، فماذا يخبئ لها السطر التالي في رحلتها لفهم ذاتها وقواها الجديدة؟
[>> لقراءة الجزء الثاني: ظل الإدارة (اضغط هنا)]
مدونة السطر التالي..!