مكالمة لم يُرَد عليها - الجزء الثالث والأخير: قرار تحت سماء المرجان | دراما إنسانية

 لقراءة الأجزاء السابقة: 

- مكالمة لم يُرَد عليها - الجزء الأول: بريق المدينة الزجاجية. 

- مكالمة لم يُرَد عليها - الجزء الثاني: مواجهة تحت سقف المستشفى.


الفصل الأول: صدى المكالمة:

   وقف فيصل والهاتف ملتصق بأذنه، يستمع إلى كلمات مديره الحادة التي تخترق ضجيج المستشفى الصامت. كل كلمة كانت بمثابة مطرقة تهوي على بقايا عالمه القديم. "مشروع البرج... العميل الرئيسي... مستقبلك المهني على المحك يا فيصل..." أغمض عينيه للحظة، مرت

فيصل يقف في ممر المستشفى يتحدث بهاتفه، يبدو عليه الحزم بعد اتخاذ قرار صعب.

أمامه صور والده على سرير المرض، دموع والدته، نظرة أخته المعاتبة، وسنوات من الإهمال واللهاث خلف سراب "المدينة الزجاجية". فتح عينيه، وقد اتخذ قراره. قال بصوت هادئ ولكنه حازم: "أعتذر منك يا أستاذ بدر، لا أستطيع الحضور غدًا، ولا حتى بعد غد. والدي في حالة حرجة، ومكاني هنا مع عائلتي." صمت المدير للحظات، ثم قال ببرود: "أتمنى ألا تندم على هذا القرار يا فيصل. الفرص لا تنتظر أحدًا." وأنهى المكالمة. شعر فيصل بارتياح غريب يمتزج ببعض القلق من المجهول. لقد أغلق بابًا، ولكنه شعر بأنه يفتح نافذة نحو شيء أكثر أهمية.

الفصل الثاني: جسور تُبنى من جديد:

   أخبر فيصل والدته ونورة بقراره. لم تعلق والدته كثيرًا، لكنه رأى في عينيها بريق امتنان خافت. أما نورة، فابتسمت له ابتسامة صغيرة لأول مرة منذ وصوله، وقالت: "أحسنت يا فيصل. هذا هو مكانك." في الأيام التالية، كرس فيصل كل وقته لعائلته. كان يبيت في المستشفى، يتابع حالة والده لحظة بلحظة مع الأطباء، يساند والدته، ويحاول إصلاح ما تهدم من علاقته بأخته. كانت أحاديثهم قليلة في البداية، لكنها بدأت تكتسب عمقًا ودفئًا يومًا بعد يوم. شاركته نورة تفاصيل عن حياتها التي لم يكن يعرف عنها شيئًا، واستمعت والدته إليه وهو يتحدث عن ندمه وعن رؤيته الجديدة للحياة. بعد يومين من الترقب، بدأت حالة الأب تتحسن بشكل طفيف ولكنه ملحوظ. استجاب لبعض المؤثرات، وفتح عينيه للحظات قصيرة وإن كان لا يزال غير واعٍ تمامًا. بكى فيصل ووالدته ونورة من الفرح الممزوج بالدعاء.

الفصل الثالث: وداع للبريق:

   لم يتأخر رد "المدينة الزجاجية". تلقى فيصل بريدًا إلكترونيًا رسميًا من قسم الموارد البشرية يبلغه بإنهاء خدماته "لعدم الالتزام بمتطلبات العمل الطارئة". قرأ البريد بهدوء، ثم أغلقه دون أن يشعر بالكثير. ذلك البريق الذي كان يطارده لم يعد يبهره. بدأ يفكر في مستقبله بشكل مختلف. ربما يعود إلى "مدينة المرجان" بشكل دائم. ربما يبدأ مشروعًا صغيرًا خاصًا به هنا، مشروعًا يسمح له بأن يكون قريبًا من عائلته، وأن يعيش حياة أكثر توازنًا. الأهم من كل شيء، ألا يكرر أخطاء الماضي.

الفصل الرابع: نور في نهاية النفق:

فيصل يجلس وحيدًا على شاطئ البحر في مدينة المرجان، يتأمل الأفق ويبدو عليه السلام الداخلي.

    بعد أسبوع آخر من الرعاية والمتابعة، بدأت معجزة صغيرة تحدث. استعاد والد فيصل وعيه بشكل كامل. كان ضعيفًا، وصوته بالكاد يُسمع، لكنه كان هناك، ينظر إليهم بعينين متعبتين ولكن فيهما حب عميق. عندما رأى فيصل جالسًا بجانبه، ممسكًا بيده، ابتسم ابتسامة واهنة. همس بصعوبة: "فيصل... ولدي... أنت هنا." انهمرت دموع فيصل مرة أخرى، لكنها هذه المرة كانت دموع فرح وامتنان. قال فيصل: "نعم يا أبي، أنا هنا. ولن أذهب إلى أي مكان." في الأيام التالية، وبينما كان الأب يتعافى ببطء، دارت بينهم أحاديث طويلة وصادقة. أحاديث لم تحدث منذ سنوات. تحدث الأب عن مخاوفه وأحلامه، واستمع فيصل باهتمام لم يكن يظهره من قبل. تحدث فيصل عن ندمه وعن قراراته الجديدة. لم تكن هناك حاجة لكلمات عتاب أو اعتذار صريحة، فالقلوب كانت قد تصالحت بالفعل.

الفصل الخامس: مكالمة تم الرد عليها:

   مرت عدة أشهر. استقال والد فيصل من عمله الشاق، وبدأ يستمتع بتقاعد هادئ برفقة زوجته. نورة كانت تستعد لزفافها، وفيصل كان قد بدأ بالفعل في تأسيس مكتب هندسي صغير في "مدينة المرجان"، مكتب يركز على المشاريع التي تخدم المجتمع المحلي وتحترم البيئة، بعيدًا عن صخب الأبراج الزجاجية العملاقة. في إحدى الأمسيات، وبينما كان فيصل يعمل على تصميم جديد في مكتبه المتواضع الذي يطل على البحر، رن هاتفه. كان اسم المتصل "أمي". ابتسم فيصل ورد فورًا بحب ولهفة: "أهلاً بالغالية... كيف حالك اليوم؟" جاء صوت والدته صافيًا وسعيدًا: "بخير يا حبيبي، ما دمت بخير. أبوك يسلم عليك، ويسألك متى ستأتي لنتناول العشاء معًا؟ نورة وأخوها يريدون رؤيتك أيضًا." قال فيصل: "سأكون عندكم خلال ساعة يا أمي. اشتقت لكم جميعًا." أغلق الخط وهو يشعر بسلام عميق يغمر قلبه. لقد تعلم الدرس. "مكالمة لم يُرَد عليها" كادت أن تكلفه كل شيء، لكنها في النهاية أيقظته إلى ما هو أهم حقًا في الحياة. الآن، كل مكالمة من عائلته هي أولوية، وكل لحظة معهم هي كنز. بريق "المدينة الزجاجية" تلاشى، ليحل محله نور دافئ ينبع من قلب "مدينة المرجان" وعائلته التي استعادها.


(نهاية القصة)

   لقد اتخذ فيصل قراره الأصعب، واختار عائلته على بريق طموحه المهني الزائف. ومن خلال هذا القرار، لم ينقذ علاقته بأسرته فحسب، بل أنقذ نفسه أيضًا، مكتشفًا معنى أعمق للحياة والنجاح. "مكالمة لم يُرَد عليها" أصبحت تذكيرًا دائمًا له بأن أهم الاتصالات في الحياة هي تلك التي نجريها بقلوبنا مع من نحب، وأن الاستماع الحقيقي لهم هو أثمن ما يمكن أن نقدمه.

مدونة السطر التالي..! https://theneextline.blogspot.com

تعليقات