مكالمة لم يُرَد عليها - الجزء الأول: بريق المدينة الزجاجية | قصة دراما إنسانية

 "بين ضجيج المدن الكبرى وطموحاتها اللامعة، قد ننسى أحيانًا الأصوات الهادئة التي تنادينا من جذورنا... 'السطر التالي..!' تقدم لكم الفصل الأول من قصة 'مكالمة لم يُرَد عليها'."

فيصل، المهندس المعماري الطموح، يعمل بتركيز شديد في مكتبه الحديث، متجاهلاً مكالمة واردة من والدته.

الفصل الأول: بريق المدينة الزجاجية: 

كان فيصل يعيش ويتنفس خطوط التصميم وزوايا العمارة. في مكتبه الزجاجي الفخم الطابق الأربعين في قلب "المدينة الزجاجية"، كما كان يحلو للبعض تسمية هذه العاصمة الخليجية النابضة بالحياة والطموح، كان اسم فيصل العبد الله قد بدأ يلمع كمهندس معماري شاب وموهوب في شركة استشارات هندسية مرموقة. ساعات عمله تمتد لأكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميًا، بين اجتماعات لا تنتهي، وتصاميم معقدة، ومواعيد تسليم صارمة لمشاريع ضخمة تغير وجه المدينة. كان يحب هذا الإيقاع السريع، هذا التحدي المستمر، هذا الشعور بأنه جزء من شيء كبير، شيء يصنع المستقبل.

وسط هذا كله، كان هاتفه الذكي يرن أحيانًا بنغمة خاصة يعرف أنها لوالدته. غالبًا ما كان يلقي نظرة سريعة على الشاشة، يرى اسم "الوالدة"، ثم يضغط على زر الرفض الصامت ويعود لعمله، واعدًا نفسه بالاتصال بها لاحقًا... "لاحقًا" التي نادرًا ما كانت تأتي. "ماذا تريد؟" كان يسأل نفسه ببعض الضيق أحيانًا، "لا جديد في مدينة المرجان الهادئة. نفس الروتين، نفس الأسئلة عن صحتي وعن متى سأتزوج... سأتصل بها في نهاية الأسبوع." كانت نهاية الأسبوع تأتي وتذهب، والمكالمات المؤجلة تتراكم كدين صغير في ضميره بالكاد يلحظه وسط بريق نجاحه الصاعد.

ملامح الصدمة والذنب تظهر على وجه فيصل وهو يتلقى خبرًا سيئًا عن والده.

الفصل الثاني: الرسالة التي غيرت كل شيء: 

في مساء أحد أيام الأربعاء المزدحمة، وبعد أن تجاهل مكالمتين من والدته كالعادة بحجة اجتماع مهم، وصلته رسالة نصية قصيرة على هاتفه من رقم أخته الصغرى، نورة. لم تكن كرسائلها المعتادة المليئة بالرموز التعبيرية والنكات. كانت ثلاث كلمات فقط، جافة وحادة كضربة سكين: "أبي... في المستشفى."

تجمد فيصل في مكانه. أعاد قراءة الرسالة مرة، مرتين، ثلاثًا، كأن عقله يرفض استيعابها. شعر ببرودة مفاجئة تسري في جسده، وبضربات قلبه تتسارع بشكل مؤلم. اتصل فورًا برقم أخته، ردت بصوت مختنق بالبكاء بالكاد استطاع أن يفهم منه أن والده تعرض لحادث سقوط خطير في المنزل وأن حالته غير مستقرة.

"لماذا لم تتصلوا بي؟!" صرخ في الهاتف بغضب مفاجئ، غضب موجه لنفسه أكثر من أي شخص آخر. جاء رد أخته باردًا هذه المرة: "أمي حاولت... لكنك لم ترد كالعادة."

أغلق الخط وشعر بموجة حارقة من الذنب والخزي تجتاحه. "لم أرد كالعادة". ترددت الجملة في رأسه كصدى مؤلم. كل تلك المكالمات الفائتة، كل تلك الوعود المؤجلة بالاتصال... كلها تكثفت الآن في لحظة واحدة من القلق والخوف من أن يكون قد فات الأوان. لملم أغراضه بسرعة، قدم اعتذارًا مرتبكًا لرئيسه، وحجز أول رحلة طيران متجهة نحو مدينته الساحلية الهادئة التي هرب منها بحثًا عن بريق النجاح.

فيصل يصل إلى المستشفى قلقًا، ليجد والدته وأخته نورة في انتظاره بقلق ظاهر.

الفصل الثالث: استقبال في مدينة المرجان: 

وصل فيصل إلى "مدينة المرجان" مع شروق الشمس. بدا كل شيء هادئًا وبطيئًا بشكل غير معتاد مقارنة بإيقاع المدينة الزجاجية الذي تركه خلفه قبل ساعات. رائحة البحر المالحة، صوت النوارس الخافت، البيوت ذات الألوان الفاتحة... كل هذا بدا وكأنه ينتمي إلى عالم آخر، عالم كان قد نسيه تقريبًا.

توجه مباشرة إلى المستشفى. وجد والدته وأخته نورة في غرفة الانتظار خارج قسم العناية المركزة. كانت والدته تبكي بصمت، وجهها شاحب وملامحها تحمل كل تعب وقلق الدنيا. أما نورة، فنظرت إليه للحظة بنظرة باردة وعاتبة لم يرها في عينيها من قبل، ثم أشاحت بوجهها.

اقترب منهم وقلبه يعتصره القلق. أخبرته والدته بصوت متقطع أن والده لا يزال فاقدًا للوعي، وأن الأطباء يقولون إن الساعات القادمة حرجة. جلس بجانب والدته، يربت على كتفها، ويشعر بعجز تام. نظر إلى أخته التي كانت تقف بعيدًا عند النافذة، ظهرها له، وشعر بالهوة التي اتسعت بينهما بسبب غيابه الطويل وانشغاله بنفسه.

في تلك اللحظة، وسط رائحة المعقمات الطبية وصمت الانتظار الثقيل، أدرك فيصل أن عودته إلى مدينة المرجان لم تكن مجرد زيارة طارئة، بل كانت بداية لمواجهة حقيقية مع واقع لم يكن يريد أن يراه، ومع عواقب مكالماته التي لم يرد عليها.


(نهاية الجزء الأول)

   عاد فيصل إلى مدينته ليجد والده بين الحياة والموت، وعلاقته بأسرته على المحك. الشعور بالذنب يطارده، وواقع حياة عائلته يبدو مختلفًا عما تركه وراءه. كيف سيتعامل فيصل مع هذه الأزمة؟ وهل سيتمكن من ترميم علاقته بأخته وفهم ما فاته؟ الأسئلة تتراكم، والرحلة الحقيقية بدأت للتو...

[>> لقراءة الجزء الثاني: واقع مدينة المرجان (سيتم إضافة الرابط عند النشر)]


مدونة السطر التالي..! https://theneextline.blogspot.com

تعليقات