لقراءة الأجزاء السابقة:
الفصل التاسع: اكتمال التحفة... رقميًا:
لم تعد ليلى مجرد مصممة جرافيك تؤدي مهامًا لعملائها. لقد أصبحت باحثة عن كنوز الماضي، مرممة للذاكرة المفقودة. وبتجميع كل الخيوط – رسومات الدفاتر، شذرات ذكريات جدها، حكايات أهل البلدة، وبحثها في تاريخ الفن المحلي – تمكنت أخيرًا من تصور "القطعة الكبرى" التي حلم بها جدها ولم يكملها.
على شاشتها، وبعين الفنانة التي تفهم لغة الخطوط والأشكال، وبقلب الحفيدة التي استمعت لهمسات الروح، أعادت ليلى بناء التحفة رقميًا بكامل تفاصيلها. كان تصميمًا مذهلاً لباب خشبي ضخم، أو ربما جدارية جصية، تتشابك فيه أنماط هندسية معقدة مع زخارف نباتية رقيقة، وفي قلبه، النقش الذي تُرك فارغًا في الدفتر، أكملته ليلى برمز "نجمة الصباح" التي ذكرها جدها، متشابكة مع زهرة ياسمين تبدو وكأنها تذبل قليلاً، رمزًا للأمل والحب الذي واجه قدرًا حزينًا. لم تكن مجرد صورة رقمية، بل كانت تجسيدًا لقصة كاملة من الإبداع، والحب، والفقدان، والأمل الذي لم يمت.
الفصل العاشر: وميض الإلهام:
العمل على تحفة جدها الرقمية لم يكن مجرد مهمة، بل كان عملية تحول لليلى نفسها. بدأت ترى جمالًا وعمقًا في التراث الذي كانت تعتبره مجرد "فولكلور قديم". الأنماط الهندسية الدقيقة لم تعد مجرد زخرفة، بل أصبحت تُمثل لها الكون، التوازن، والاتصال العميق بالطبيعة والتاريخ. وجدت نفسها مدفوعة برغبة قوية ليس فقط للحفاظ على هذا التراث، بل لإعادة تقديمه بلغة عصرها.
بدأت تجرب. في تصاميم الشعارات التي تعمل عليها، أضافت لمسة من الزخارف الهندسية التقليدية بأسلوب عصري. في هويات العلامات التجارية، استلهمت لوحات ألوان دافئة وغنية من ألوان الصحراء والنقوش القديمة. حتى في تصميم المواقع الإلكترونية، استخدمت أنماطًا متكررة مستوحاة من رسومات جدها كخلفيات دقيقة وأنيقة. لقد وجدت أسلوبًا خاصًا بها، صوتًا إبداعيًا فريدًا يمزج بين مهاراتها الرقمية الحديثة وروح النقوش التي ورثتها عن جدها، أسلوب يشعرها بالانتماء والأصالة لأول مرة.
الفصل الحادي عشر: شفاء بالرسم واللون:
لم تعد زيارات ليلى لجدها مجرد واجب، بل أصبحت أهم جزء في يومها. كانت تجلس معه، تعرض عليه أعمالها الجديدة على الحاسوب اللوحي، تشرح له كيف استلهمت هذا النمط من دفتره، وكيف أن هذا اللون يذكرها بلون الجص الذي كان يستخدمه. لم يكن يفهم كل شيء، وذاكرته كانت لا تزال تأتي وتذهب، لكن شيئًا ما كان يتغير فيه.
في لحظات صفائه، كان ينظر إلى تصاميمها بتمعن، يهز رأسه بإعجاب، وأحيانًا، يشاركها ذكرى واضحة بشكل مدهش عن تقنية نقش معينة استخدمتها في تصميمها الرقمي، أو عن قصة شخص كان قد صنع له قطعة مشابهة منذ زمن بعيد. هذه اللحظات كانت ثمينة، كأن الفن يعيد ترميم جسور الذاكرة المتصدعة. لم يعد جد أحمد مجرد رجل عجوز تائه في الماضي، بل أصبح معلمًا ومرشدًا روحيًا لحفيدته، حتى من خلال صمته وذاكرته المتقطعة. وشعرت ليلى بأنها لا تساعده فقط على تذكر الماضي، بل تساعده أيضًا على إيجاد السلام في حاضره، بقبول أن إرثه يمكن أن يستمر ويتجدد بأشكال لم يكن يتخيلها. كان الفن يشفيهما معًا.