"تأخذنا مدونة 'السطر التالي..!' هذه المرة في رحلة هادئة وعميقة إلى قلب العلاقات الإنسانية، حيث تتشابك خيوط الماضي بالحاضر، وتُنقش الذكريات على جدران الروح. نقدم لكم الفصل الأول من دراما 'نقوش الذاكرة'..."
الفصل الأول: أحلام رقمية وجدران تقليدية:
كان عالم ليلى يتلألأ بألوان شاشتها عالية الدقة. كمصممة جرافيك شابة تعمل عن بعد، كانت تقضي معظم يومها في شقتها الصغيرة المستأجرة في الطابق العلوي من منزل عائلتها الكبير، تتنقل بين برامج التصميم المعقدة، اجتماعات الفيديو مع عملاء من مدن كبرى صاخبة، وأحلامها المهنية التي بدت أكبر بكثير من حدود هذه البلدة الهادئة والرتيبة التي ولدت ونشأت فيها. كانت تحب عائلتها، بالطبع، لكنها غالبًا ما كانت تشعر بأن إيقاع حياتها الرقمي السريع يصطدم بصمت الجدران التقليدية للمنزل وبطء وتيرة الحياة في الخارج.
أكثر ما كان يزيد هذا الشعور هو وجود جدها، أحمد، أو "جد أحمد" كما ينادونه. الرجل الذي كان يومًا ما حرفيًا معروفًا في المنطقة بقوة بنيانه ودقة نقوشه على الأبواب الخشبية والجدران الجصية، أصبح الآن جسدًا نحيلاً يجلس معظم الوقت في ركنه المفضل في المجلس، صامتًا، وعيناه تحملان نظرة ضائعة تسبح في بحر من الذكريات المتلاشية. ذاكرته تخونه كثيرًا، يخلط بين الأسماء والأزمنة، ويعيش لحظات صفاء قليلة ونادرة تتخلل ضباب النسيان. كانت ليلى تحبه، وتشفق على ضعفه، لكنها كانت تجد صعوبة في التواصل معه، وفي تقبل هذا التحول المؤلم لرجل كان يملأ البيت حيوية وحكايات. حرفته القديمة، التي كانت مصدر فخره، بدت لليلى الآن مجرد ذكرى باهتة، فن جميل لكنه ينتمي إلى ماضٍ سحيق لا يمت لعالمها الرقمي بصلة.
الفصل الثاني: نفض غبار الماضي:
"ليلى يا ابنتي، هل يمكنكِ مساعدتي نهاية هذا الأسبوع؟" قالت والدتها ذات صباح، مشيرة إلى باب خشبي صغير وقديم في نهاية فناء المنزل. "ورشة جدكِ... أصبحت كومة من الغبار والخشب القديم. أريد أن أرتبها قليلاً، ربما نستخدمها كمخزن إضافي."
تأففت ليلى في سرها. آخر ما كانت تريده هو قضاء عطلتها في تنظيف ورشة تفوح منها رائحة الماضي والغبار. لكنها لم تستطع أن ترفض طلب والدتها. دخلت الورشة مترددة. كانت أشبه بكبسولة زمنية مغلقة. رائحة الخشب القديم والغبار الثقيل والطلاء الجاف تملأ الهواء. أدوات يدوية دقيقة ذات مقابض خشبية مهترئة معلقة على الجدران أو ملقاة على طاولة عمل خشنة. قطع خشبية نصف منحوتة، ألواح جصية بأنماط غير مكتملة، كلها مغطاة بطبقة سميكة من غبار السنين. شعرت ليلى بانفصال تام عن هذا المكان، عن هذا العالم اليدوي البطيء الذي بدا نقيضًا لحياتها الرقمية النظيفة والسريعة. بدأت ترفع الأقمشة المغبرة عن الأرفف بتجهم، تنقل القطع الخشبية الثقيلة، وتشعر بأنها تنفض الغبار ليس فقط عن المكان، بل عن جزء من تاريخ عائلتها لم تكترث له يومًا.
الفصل الثالث: سر الدفاتر القديمة:
في زاوية من الورشة، تحت كومة من الأقمشة القديمة، لاحظت ليلى صندوقًا خشبيًا صغيرًا ومغلقًا بإحكام. أثارت فضولها. فتحته بصعوبة لتجد بداخله كنزًا غير متوقع: عدة دفاتر رسم ذات أغلفة جلدية سميكة محفوظة بعناية. بدأت بتقليب صفحات أول دفتر بحذر. لم تكن مجرد رسومات عادية، بل كانت دراسات تفصيلية لأنماط هندسية معقدة وزخارف نباتية متداخلة وخطوط عربية أنيقة، مرسومة بيد فنان حقيقي وبدقة مذهلة. أدركت أنها تنظر إلى جوهر فن جدها، إلى العملية الإبداعية التي كانت تسبق نقشه على الخشب أو الجص.
لكن لم تكن مجرد رسومات. كانت الصفحات مليئة أيضًا بملاحظات صغيرة مكتوبة بخط يد جدها الأنيق ولكن الحازم. ملاحظات عن أنواع الخشب، عن تقنيات النقش، عن معاني بعض الرموز والأشكال المستوحاة من الطبيعة أو التراث. والأكثر إثارة للفضول، كانت هناك إشارات متكررة في أحد الدفاتر إلى عمل ضخم، "القطعة الكبرى" كما أسماها، أو "نقش الروح". كانت هناك رسومات تخطيطية أولية لهذا العمل، بدا أنه تصميم معقد لواجهة باب كبير أو جدارية جصية، لكن الرسومات كانت تتوقف فجأة، والصفحات التالية كانت فارغة، باستثناء ملاحظة وحيدة مكتوبة بتاريخ قديم: "توقف كل شيء هنا. لم يعد للنقش معنى." ما هي هذه القطعة الكبرى؟ ولماذا لم يكملها؟ شعرت ليلى بأنها عثرت على لغز يتجاوز مجرد ترتيب ورشة قديمة.
الفصل الرابع: شذرات من الذكرى:
في وقت لاحق من ذلك اليوم، وجدت ليلى جدها جالسًا في حديقة المنزل الصغيرة، يتأمل شجرة ليمون قديمة في لحظة من لحظات صفائه النادرة. اقتربت منه بتردد، حاملة أحد الدفاتر التي وجدتها، وفتحته على صفحة تحتوي على تصميم معقد بشكل خاص. "جدي،" قالت بهدوء، "هل تتذكر هذا؟ هل أنت من رسمه؟"
نظر الجد أحمد إلى الصفحة ببطء. للحظة، بدا وجهه خاليًا من التعبير، ثم تغير شيء في عينيه الباهتتين. لمع بريق خافت، ومد يده المرتجفة ليلمس الرسم برفق. "آه... نعم،" همس بصوت خافت، "هذه... نجمة الصباح... كانت تحبها." ثم أغمض عينيه كأن الذكرى تؤلمه. "كانت أيامًا جميلة... قبل المطر..."
"مطر؟ أي مطر يا جدي؟ ومن هي التي كانت تحبها؟" سألت ليلى بلهفة، لكن جدها كان قد عاد إلى عالمه الضبابي، ونظرته أصبحت شاردة مرة أخرى. حاول أن يكمل، لكن الكلمات خرجت متقطعة وغير مترابطة: "النقش الأخير... لم يكتمل... كان للروح... لكن الروح رحلت..."
شعرت ليلى بخيبة أمل، لكن أيضًا بشعور جديد لم تعهده من قبل تجاه جدها وتجاه تلك الورشة المغبرة. لم تكن مجرد رسومات، ولم تكن مجرد ذكريات باهتة. كان هناك سر، قصة حقيقية من الألم والفقدان منقوشة بين خطوط هذه التصاميم القديمة. وقررت في تلك اللحظة أنها تريد أن تعرف المزيد، أن تفهم حكاية "النقش الأخير" الذي لم يكتمل، وأن تعيد تركيب شذرات ذاكرة جدها المبعثرة.
(نهاية الجزء الأول)
لقد فتحت ليلى صندوقًا للذكريات والأسرار في ورشة جدها المهملة. دفاتر الرسم القديمة تحمل مفتاحًا لماضٍ مؤلم وتحفة فنية لم تكتمل. هل ستتمكن من فك رموز النقوش والذكريات؟ وما هي القصة التي ستكشفها لها رحلتها في ماضي جدها؟ الفضول يشتعل، والبحث عن الحقيقة يبدأ...
[>> لقراءة الجزء الثاني: فك رموز النقوش (اضغط هنا)]
مدونة السطر التالي..!