لقراءة الجزء السابق:
الفصل الخامس: تموجات متسعة:
لم تعد الأعطال التقنية محصورة في محيط موقع الحفر المباشر. خلال الأيام القليلة التالية، بدأت تقارير متفرقة بالظهور من قطاعات أبعد قليلاً: انقطاعات قصيرة وغير مبررة في شبكات الاتصال الضوئية، استجابات بطيئة من وحدات النقل العام ذاتية القيادة في مناطق معينة، حتى أن بعض أنظمة المنازل الذكية أبلغت عن تشغيل أو إطفاء أجهزة بشكل عشوائي. كانت كلها أعطالاً بسيطة ويتم إصلاحها بسرعة من قبل "النواة" وفرق الصيانة، لكن تزامنها وانتشارها البطيء والمستمر أثار قلقًا متزايدًا خلف الأبواب المغلقة لمجلس المدينة ومركز قيادة الأمن.
في الوقت نفسه، ازدادت التقارير غير الرسمية عن الظواهر النفسية الغريبة. لم تعد مجرد أحلام حية، بل أبلغ بعض سكان المناطق القريبة من موقع الحفر عن لحظات قصيرة ومفاجئة من "التوارد الذهني" – معرفة ما يفكر فيه شخص قريب منهم، أو الشعور بموجة حادة من مشاعر شخص آخر. انتشرت همسات عن "طاقة المكان" أو "تأثيرات الحفر العميق" على الشبكات الاجتماعية المحلية، قبل أن تبادر السلطات بنشر بيانات رسمية تطمئن الجمهور وتنسب الأعطال إلى "تحديثات شاملة للشبكة" وتعتبر التقارير النفسية "مبالغات فردية أو تأثيرات نفسية جماعية". لكن أروى، التي كانت تراقب كل هذا عن كثب، عرفت أن الأمر أعمق من ذلك بكثير. كان "الصدى" يتمدد، يتفاعل مع الشبكة العصبية للمدينة - التكنولوجية والبشرية على حد سواء.
الفصل السادس: قبضة طارق:
لم يكن طارق الهاشم رجلاً ينتظر تفاقم الأمور. مدفوعًا بالتقارير المتزايدة عن الأعطال والتأثيرات الغريبة، وبضغط من المجلس البلدي القلق على استقرار المدينة وسمعتها، قرر اتخاذ إجراءات أكثر حزمًا. أمر بنشر درع طاقة تجريبي متعدد الطبقات حول مدخل الغرفة الجوفية، مصمم لعزل أي انبعاثات طاقية أو إشعاعية غير معروفة. كما أصر على البدء فورًا بعملية حفر جانبية دقيقة باستخدام مسبار آلي لأخذ عينة من أحد البلورات لتحليلها في المختبر، متجاهلاً تحذيرات أروى الشديدة من أن أي تدخل فيزيائي قد يثير رد فعل عنيفًا.
وكانت أروى على حق. في اللحظة التي بدأ فيها المسبار الآلي بالحفر في الصخر بالقرب من جدار الغرفة، انبعثت موجة طاقة قوية ومفاجئة من الفتحة. لم تكن مجرد نبضة كهرومغناطيسية، بل كانت أشبه بصرخة صامتة من الطاقة النقية. تعطلت جميع الأجهزة الإلكترونية في محيط عدة مئات من الأمتار بشكل مؤقت، بما في ذلك درع الطاقة نفسه. شعر جميع العاملين في الموقع بصداع حاد ومفاجئ وشعور غامر بالارتباك والرهبة. وفي مركز التحكم بالمدينة، أبلغت "النواة" عن تشويش واسع النطاق وغير مسبوق في قطاعات كبيرة من شبكة الذكاء الاصطناعي استمر لعدة دقائق قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها ببطء. لقد كان رد فعل واضحًا، دفاعيًا، وقويًا بشكل مقلق. أدرك طارق، ربما للمرة الأولى، أنه لا يتعامل مع مجرد ظاهرة جيولوجية غريبة.
الفصل السابع: لغة الرنين:
بعد الحادثة، تم تعليق جميع عمليات الحفر أو الاحتواء مؤقتًا، مما أعطى أروى فرصة ثمينة لتجربة نهجها المختلف. لقد أثبت رد الفعل العنيف للغرفة صحة نظريتها بأن هذا الكيان يتفاعل ويتأثر بما حوله. إذا كان يتفاعل مع التهديد بالدفاع، فهل يمكن أن يتفاعل مع محاولة "فهم" أو "تواصل" بشكل مختلف؟
عكفت أروى على تحليل نمط موجة الطاقة الدفاعية التي تم تسجيلها، واكتشفت أنها تحتوي على بنية رياضية معقدة ومتكررة، لا تشبه أي انبعاث طاقي طبيعي معروف. بدت وكأنها تحمل "صدى" لبنية البلورات نفسها. بناءً على ذلك، طورت فرضية أكثر جرأة: أن هذا ليس مجرد وعي سلبي، بل شبكة كوكبية قديمة، ربما نظام مناعة أرضي أو ذاكرة حية، وأن لغة التواصل معه ليست كيميائية أو كهربائية بالمعنى المعتاد، بل تعتمد على "الرنين" – الترددات المتوافقة، الأنماط الهندسية، وحتى ربما الرنين العاطفي أو الذهني.
بدأت تجاربها الجديدة بحذر شديد. باستخدام أجهزة إرسال دقيقة، بدأت تبث أنماطًا معقدة من الضوء والصوت نحو الغرفة، أنماط مستوحاة من هياكل الحمض النووي، من تشكيلات المجرات، من النسب الرياضية الموجودة في فن العمارة الإسلامية القديم، ومن الأنماط الفراكتالية التي تصف نمو البلورات والنباتات. كانت تراقب مجسات الطاقة بأعصاب مشدودة، تبحث عن أي تغيير، أي استجابة منظمة.
الفصل الثامن: لمحات من الأعماق:
جاءت الاستجابة أخيرًا، ليس كموجة طاقة عنيفة، بل كهمسة رنينية خافتة ومعقدة. بدأت أجهزة الاستشعار تلتقط أنماط طاقة جديدة تنبعث من الغرفة، أنماط تعكس وتعدل بشكل طفيف الأنماط التي كانت أروى ترسلها. والأكثر إثارة، بدأت أروى نفسها، وبعض الفنيين الحساسين للطاقة في فريقها، يشعرون بانطباعات ذهنية واضحة ومتزامنة مع هذه الاستجابات: صور مجردة لأشكال هندسية لانهائية، ومضات من تاريخ كوكبي سحيق يمتد لمليارات السنين، شعور غامر بالاتصال بشبكة وعي واسعة وهائلة تمتد في أعماق الكوكب، وإحساس عميق بحكمة قديمة و... بوحدة هائلة.
لم يكن فهمًا كاملاً، مجرد لمحات، ومضات من وعي مختلف تمامًا، يعمل بمقاييس زمنية وجيولوجية لا يمكن للعقل البشري استيعابها بسهولة. بدا وكأنه وعي الكوكب نفسه، أو جزء منه، نظام تنظيم ذاتي للطاقة والحياة ظل نائمًا لدهور، والآن بدأ يستيقظ ويتفاعل مع الحضارة التكنولوجية الصاخبة التي نمت فوقه. أدركت أروى أنها على أعتاب اكتشاف قد يغير مفهوم البشرية عن الحياة والوعي والكوكب نفسه.
لكن عندما قدمت هذه النتائج الأولية المذهلة لطارق وممثلي المجلس، قوبلت بالشك والريبة. "صور ذهنية؟ وعي كوكبي؟ دكتورة أروى، مع احترامي، هذا يبدو أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى العلم الحقيقي،" قال طارق بصرامة. "ما نراه هو مصدر طاقة غير مستقر يتفاعل بشكل خطير مع محاولاتنا لاحتوائه ومع محاولاتكِ لـ'التواصل' معه. لا يمكننا المخاطرة بسلامة المدينة بناءً على أحلام ولمحات مجردة. يجب تحييد هذا الشيء، وبسرعة."
وجدت أروى نفسها في موقف حرج. لقد بدأت تفهم "صدى البلور"، لكن فهمها هذا وضعها في مسار تصادم مباشر مع مخاوف السلطات وخططها العملية. المعركة القادمة لن تكون فقط لكشف السر، بل أيضًا لحماية هذا الوعي القديم من الفهم الخاطئ والتحييد المتسرع.
(نهاية الجزء الثاني)
لقد بدأت أروى في فك لغة الرنين، وتلقت لمحات مذهلة من وعي كوكبي قديم، لكن اكتشافها وضعها في مواجهة مباشرة مع السلطات الأمنية التي تخشى المجهول وتخطط لتحييده. الصراع يتصاعد، والوقت ينفد، والمدينة بأكملها تقف على حافة تغيير لا يمكن التنبؤ به... فماذا سيكون السطر التالي في هذه المواجهة بين التكنولوجيا القديمة والحديثة؟
[>> لقراءة الجزء الثالث: معضلة التعايش (سيتم إضافة الرابط عند النشر)]
مدونة السطر التالي..!