لقراءة الأجزاء السابقة:
ظل في الأرشيف - الجزء الأول: الاختلال الرقمي ظل في الأرشيف - الجزء الثاني: خيوط الماضي ظل في الأرشيف - الجزء الثالث: مطاردة الظلال
الفصل الرابع عشر: هزات ارتدادية:
الرسالة الحمراء المقتضبة والمخيفة التي ظهرت على شاشة سامي ثم انقطاع الاتصال المفاجئ كانا بمثابة صفعة. لم يكن الأمر مجرد تحذير، بل كان استعراضًا للقوة والنفوذ. "شركة الأصالة القابضة"، الاسم الذي حصلوا عليه بشق الأنفس، أصبح الآن مرادفًا للخطر المحدق. التقيا في اليوم التالي، ليس في مقهى عصري أو مكان عام مزدحم، بل في زاوية شبه مهجورة بمكتبة عامة قديمة، مكان يفوح منه عبق الورق والغبار، بدا لهما أكثر أمانًا من أي شبكة مشفرة.
"لم يعودوا يكتفون بإخفاء الماضي،" قالت ليلى بصوت خافت، يرتجف قليلاً رغم إصرارها: "إنهم يتحكمون به، يعيدون كتابته ليخدم مصالحهم الحالية. مهما كان الشيء الذي اكتشفه الدكتور الراوي وهدد بكشفه، فهو لا يزال يمثل تهديدًا لهم اليوم." أومأ سامي برأسه، كانت علامات الإرهاق واضحة على وجهه: "تحليلي الأولي للشركة يظهر شبكة معقدة من الواجهات والاستثمارات في قطاعات حساسة. إنهم ليسوا مجرد شركة قابضة، إنهم أشبه بأخطبوط له أذرع في كل مكان. والدليل القاطع الذي يمكن أن يدينهم يجب أن يكون شيئًا لا يمكنهم محوه رقميًا."
الفصل الخامس عشر: المسار الورقي:
تحول تركيز ليلى بالكامل إلى الكنز الورقي الذي سلمه لها السيد عدنان. أمضت ساعات طويلة في قسم الأرشيف الورقي، تحت نظرات السيد عدنان القلقة والمشجعة في آن واحد. لم تعد تبحث عن معلومة واحدة محددة، بل عن "نمط"، عن شيء شاذ أو غير منطقي في طريقة الحفظ، عن ملاحظة هامشية، عن أي شيء قد يكون الدكتور الراوي تركه خلفه كإشارة، مستغلاً معرفته العميقة بنظام الأرشيف نفسه. استخدمت خبرتها في تتبع "سلسلة الحيازة" (Provenance) للوثائق، مقارنة الأختام، أنواع الورق والحبر، أي شيء قد يكشف عن وثيقة أُدخلت أو سُحبت بشكل غير طبيعي.
الفصل السادس عشر: أصداء رقمية:
في هذه الأثناء، لم يستسلم سامي. صحيح أنه لم يستطع استعادة الملفات التي مُحيت من جهاز ليلى بالكامل، لكنه نجح في استخلاص بعض البقايا الرقمية (fragments) من ذاكرة التخزين المؤقت. لم تكن كافية كدليل، لكنها أعطته فكرة عن طبيعة الملف المحذوف – يبدو أنه كان يحتوي على تحليل مالي مفصل أو مخططات معقدة. كما نجح في تحليل أسلوب الهجوم الأخير، مؤكدًا أنه استخدم أدوات متطورة جدًا لا تتوفر عادة إلا لجهات ذات إمكانيات كبيرة، مما عزز شكوكهما حول نفوذ "الأصالة القابضة". بدأ أيضًا في مراقبة حركة البيانات المرتبطة بالشركة بحذر شديد من خلال الشبكة المظلمة (Dark Web)، بحثًا عن أي تسريبات أو معلومات قد تفيدهم.
الفصل السابع عشر: مناورة المؤرخ:
"وجدتها!" همست ليلى لنفسها، وقلبها يخفق بقوة. لم تكن وثيقة عادية، بل مجموعة من شرائط المايكروفيلم المصنفة تحت بند "مواد بحثية أرشيفية – نسخ احتياطية". عند فحصها على جهاز العرض القديم في غرفة جانبية، بدت معظمها نسخًا عادية لوثائق معروفة. لكن شريطًا واحدًا كان مختلفًا. كانت الصور فيه مشوشة وغريبة، لا تبدو كوثائق على الإطلاق، بل أقرب إلى رموز ونقاط وخطوط عشوائية.
تذكرت ليلى هوس الدكتور الراوي بالتشفير القديم وتاريخ الاتصالات. التقطت صورًا للشريط بهاتفها وأرسلتها إلى سامي عبر قناتهم الآمنة. بعد ساعات من العمل المحموم، رد سامي: "ليست عشوائية! إنها شيفرة... شيفرة قديمة تعتمد على نظام إحداثيات ومواقع محددة داخل الأرشيف نفسه! أعتقد أن الراوي أخفى شيئًا ماديًا، النسخ الأصلية ربما، في مكان ما داخل المحفوظات، وهذه هي الخريطة للوصول إليه!"
الفصل الثامن عشر: خطة الاسترداد:
الشيفرة التي تركها الدكتور الراوي لم تكن مجرد خريطة، بل كانت دليلًا على أنه كان يعلم بالخطر المحدق به وأنه أعد خطة لحماية اكتشافاته. قادتهم الإحداثيات المشفرة إلى قسم نادر الاستخدام في الأرشيف – قسم المخطوطات والخرائط القديمة، وتحديدًا إلى خزانة حفظ مصفحة تتطلب تصريحًا خاصًا ورمز وصول متغيراً.
وضع سامي وليلى خطة محفوفة بالمخاطر. سيستخدم سامي مهاراته لمحاولة تعطيل نظام المراقبة مؤقتًا والحصول على رمز الوصول لتلك الليلة، مستغلاً فترة تغيير المناوبة المتأخرة للحراس. بينما ستدخل ليلى، مستخدمة تصريحها العادي وبحجة متابعة عمل طارئ، لتصل إلى الخزانة وتستخرج ما أخفاه الراوي. كان عليهم التحرك بسرعة ودقة، فأي خطأ سيكشفهم ويضعهم في خطر مميت.
الفصل التاسع عشر: في العرين:
سارت الدقائق الأولى من الخطة بسلاسة مقلقة. تمكن سامي من تعطيل الكاميرات في الممر المؤدي إلى قسم المخطوطات ومنح ليلى رمز دخول مؤقت. دخلت ليلى بسرعة، قلبها يقرع كالطبول، وتوجهت مباشرة إلى الخزانة المصفحة المحددة. فتحت القفل الثقيل، وبداخلها، خلف صفوف من المخطوطات الجلدية القديمة، وجدت صندوقًا معدنيًا صغيرًا وبسيطًا، لا يحمل أي علامات.
فتحت الصندوق بيدين مرتعشتين. لم يكن يحتوي على وثائق عادية، بل على مجموعة من المفاتيح القديمة، وشريط كاسيت صوتي أصلي، ودفتر ملاحظات صغير مكتوب بخط يد الدكتور الراوي، يبدو أنه سجل فيه اكتشافاته الأخيرة والمفصلة. شعرت ليلى بموجة من الارتياح والانتصار...
لكن الانتصار كان قصير الأمد. في اللحظة التي أغلقت فيها الصندوق، سمعت صوت خطوات ثقيلة ومفاجئة في الممر بالخارج، يقترب بسرعة. ثم، دوى صوت إنذار خافت ولكنه حاد في مكان قريب. تلقت رسالة مشفرة ومرتجفة من سامي على هاتفها:
"ليلى! لقد كُشفنا! النظام الثانوي للإنذار يعمل! اخرجي فورًا!"
نظرت ليلى إلى باب الخزانة الثقيل، ثم إلى الممر المظلم الذي بدأت تظهر فيه أضواء كشافات يدوية. كانت تحمل بين يديها الحقيقة المشفرة التي طاردتها طويلًا، لكنها الآن محاصرة في قلب عرين الظلال، والوقت ينفد بسرعة.
(نهاية الجزء الرابع)
[>> لقراءة الجزء الخامس والأخير: كشف المستور (انقر هنا)]
مدونة السطر التالي..!