شاي على الرصيف | لحظات إنسانية عابرة

أبو عبد الله، صاحب دكان مسن، يقدم كوبًا من الشاي لطالب جامعي يجلس على الرصيف.

   كانت شمس عصر يوم الجمعة قد بدأت تفقد حدتها، وترسم ظلالاً طويلة دافئة على الأسفلت الهادئ للشارع الجانبي. جلس ماجد، الطالب الجامعي، على حافة الرصيف النظيف أمام دكان خياطة صغير مغلق، يتفحص هاتفه بقلق خفيف وهو ينتظر السيارة التي ستقله عائداً إلى سكنه الجامعي في مدينة أخرى بعد قضاء إجازة نهاية الأسبوع مع أهله. بدا الشارع شبه خالٍ إلا من صوت خطواته المتعبة عندما كان يبحث عن مكان مناسب للانتظار، وهمهمة مكيفات بعيدة.

سمع صوت مصاريع معدنية تُسحب بهدوء، فرفع رأسه ليرى رجلاً مسناً ذا لحية بيضاء ووجه طيب الملامح ينهي إغلاق دكان الخياطة المجاور. كان أبو عبد الله، الخياط الذي يعرفه ماجد بالوجه منذ صغره، والذي يبدو أن الزمن قد أضاف المزيد من الخطوط الهادئة إلى وجهه. انتهى الرجل من وضع القفل الأخير، ثم التفت ورأى ماجد الجالس على الرصيف.

ابتسم أبو عبد الله ابتسامة ودودة. "السلام عليكم يا ولدي، عسى ما تنتظر أحد؟"

"وعليكم السلام يا عم أبو عبد الله. بخير إن شاء الله، أنتظر سيارة توصلني للجامعة." رد ماجد بأدب وهو يقف للحظة احترامًا.

"أعانك الله ووفقك. الجو حار اليوم والانتظار متعب." قال أبو عبد الله وهو يتجه إلى زاوية صغيرة بجانب دكانه حيث يحتفظ بـ "دافور" صغير وإبريق شاي أسود لامع يبدو أنه رفيقه الدائم. أشعل النار الهادئة تحت الإبريق، وفي دقائق، كانت رائحة الشاي بالحبق (الريحان) تفوح في الهواء الهادئ.

صب أبو عبد الله الشاي في كوبين زجاجيين صغيرين (استكانتين). تقدم نحو ماجد وقدم له كوبًا. "تفضل يا ولدي، استكانة شاي تعدّل مزاج الانتظار."

تردد ماجد للحظة، متفاجئًا من هذه اللفتة البسيطة، ثم تناول الكوب بحرارة وابتسامة شكر صادقة. "الله يجزاك خير يا عم، ويكثر خيرك. ما له داعي تتعب نفسك."

"أبدًا يا ولدي، ما فيها تعب. الشاي يحلى بالمشاركة." جلس أبو عبد الله على عتبة دكانه، ورشفا معًا الشاي الساخن بصمت لدقائق، يتأملان هدوء الشارع وظلال العصر الممتدة.

"أيام الجامعة حلوة يا ماجد،" قال أبو عبد الله فجأة كأنه يكمل حوارًا داخليًا. "أذكر يوم كنت بعمرك، سافرت مع عمي أتعلم صنعة النجارة في الشام... أيام ما تتنسي، بس الغربة صعبة." ابتسم ابتسامة خفيفة ضاعت بين تجاعيد وجهه.

تحدثا قليلاً بعد ذلك عن أمور عابرة، عن حرارة الجو التي بدأت تنكسر، وعن التغييرات التي طرأت على الحي القديم. لم يكن حوارًا عميقًا، لكنه كان مريحًا بشكل غريب، كأنهما صديقان قديمان وليسا مجرد غريبين التقيا مصادفة على الرصيف.

رن هاتف ماجد معلنًا وصول السيارة. وقف بسرعة وشكر أبو عبد الله مرة أخرى بحرارة. "الله يسهل دربك يا ولدي ولا تنسانا من دعائك." قال الرجل العجوز وهو يلوح له بيده.

ركب ماجد السيارة، وبينما كانت تبتعد، نظر من النافذة الخلفية ليرى أبا عبد الله لا يزال جالسًا على عتبة دكانه، يحتسي بقية شايه بهدوء. شعر ماجد بدفء بسيط يتسلل إلى قلبه، ليس فقط من الشاي الساخن، بل من تلك اللحظة الإنسانية العابرة وغير المتوقعة. لم يكن يعرف الكثير عن أبي عبد الله، ولا أبو عبد الله يعرف عنه شيئًا، لكنهما تشاركا لخمس دقائق كوبًا من الشاي، وهمًا بسيطًا من الانتظار، ولمحة من الونس الصادق على رصيف هادئ في عصر يوم جمعة. أحيانًا، تكون أبسط الأشياء هي الأكثر تأثيرًا... هي السطر التالي الذي يكتبه لطف عابر في قصة يومنا.


(نهاية القصة القصيرة)

مدونة السطر التالي..! https://theneextline.blogspot.com

تعليقات