حصل أبو ناصر أخيرًا على هاتف ذكي جديد بشاشة كبيرة وألوان لامعة وعشرين كاميرا خلفية (أو هكذا بدا له). كان فخورًا به، يتباهى به أمام أصدقائه في الاستراحة، وإن كان استخدامه الفعلي لا يتعدى استقبال وإرسال رسائل الواتساب بصور صباح الخير المكررة ومشاهدة مقاطع "الشياب" المضحكة على يوتيوب.
في ذلك المساء، تلقى دعوة عشاء من ابن أخيه "بدر" الذي انتقل حديثًا إلى منزل في حي جديد على الطرف الآخر من المدينة. "فرصة ذهبية!" فكر أبو ناصر، "سأستخدم نظام الملاحة الجديد لأول مرة وأبهرهم بمدى مواكبتي للتكنولوجيا!"
بعد صلاة المغرب، ارتدى أبو ناصر أفضل ثيابه، تعطر بدهن العود، وثبت هاتفه بحامل خاص على تابلوه السيارة كأنه قائد طائرة يستعد للإقلاع. شغل السيارة، وبصوت جهوري يحمل ثقة مبالغًا فيها، قال: "يا... يا سيري! لا... يا جوجل! أقصد... يا مساعدة! وديني بيت بدر ولد أخوي!"
رد صوت نسائي آلي وهادئ بشكل مستفز من الهاتف: "أهلاً بك. يرجى تحديد وجهتك بوضوح أكبر أو إدخال العنوان." تنهد أبو ناصر وبدأ بإدخال العنوان الذي أرسله له بدر بصعوبة وإصبعه الكبير يضغط على ثلاثة أحرف في كل مرة. أخيرًا، ظهر المسار على الشاشة. "تمام!" قال أبو ناصر، "الآن أرني براعتك يا بنت التكنولوجيا!"
بدأت الرحلة بشكل طبيعي. "بعد مئتي متر، اتجه يمينًا." "ابقَ في المسار الأيسر." كان أبو ناصر يتبع التعليمات بدقة وهو يبتسم بانتصار. لكن بعد حوالي ربع ساعة، بدأت الأمور تأخذ منحىً غريبًا.
"الآن، انعطف بانسيابية نحو ظل شجرة السدر الوحيدة ذات الأغصان المتدلية بحزن على الرصيف المقابل." قال الصوت الآلي بهدوء. قطب أبو ناصر حاجبيه. "أي حزن يا بنت الحلال؟ شجرة عادية! وظلها مثل ظل أي شجرة أخرى!" لكنه، بحكم حرصه على اتباع التعليمات، انعطف نحو الظل المذكور ليدخل شارعًا فرعيًا ضيقًا بالكاد يتسع لسيارته.
"ممتاز. بعد تجاوزك لمحطة الوقود التي تبدو كنجمة قطبية تائهة في بحر الإسفلت، ابحث عن المخرج الثالث في دوار أحلام الأمس." "نجمة قطبية؟! دوار أحلام الأمس؟! هذا دوار عادي اسمه دوار الصفا! وأي مخرج ثالث؟ ليس فيه إلا مخرجان!" صاح أبو ناصر وهو يضرب المقود بيده. لكنه، مرة أخرى، وبشعور متزايد بالارتباك، حاول اتباع التعليمات، فاختار المخرج الثاني (الأقرب للثالث منطقيًا!) ليجد نفسه في منطقة سكنية قديمة ذات أزقة ملتوية.
"الآن، استمع لصوت الحفيف القادم من جهة اليسار، واتجه نحوه." "صوت حفيف؟! لا أسمع إلا صوت مكيفات الجيران! هل جننتِ؟!" فقد أبو ناصر أعصابه وبدأ يتحدث مع الهاتف وكأنه كائن حي عنيد. "أين بيت بدر يا مساعدة يا فاهمة؟!"
"الحسابات تشير إلى أنك قريب من وجهتك. استمر في تتبع الإشارات الكونية الدقيقة." رد الصوت الآلي بنفس البرود.
وجد أبو ناصر نفسه يقود سيارته ببطء شديد في شارع بالكاد يمر فيه، قاطعًا عن طريق الخطأ تجمعًا صغيرًا لسيدات يحتسين القهوة أمام أحد البيوت، مما أدى إلى نظرات استنكار وصيحات خافتة. ثم اضطر للتوقف فجأة لتجنب دهس قطيع من الحمام قرر أن يعقد اجتماعه السنوي في منتصف الطريق.
أخيرًا، وبعد جولة ماراثونية عبر أغرب شوارع المدينة وأكثرها إثارة للحيرة، أعلن الصوت الآلي: "لقد وصلت إلى وجهتك تقريبًا. الوجهة على يسارك بعد مئة خطوة متأنية." نظر أبو ناصر إلى يساره ليجد نفسه أمام محل "بنشر" مغلق!
أوقف السيارة على جانب الطريق وهو يشعر بأن رأسه سينفجر. اتصل بابن أخيه بدر بصوت يرتجف من الغضب والإرهاق. "بدر! أين بيتك يا بني؟ مساعدتك الصوتية هذه أضاعتني في بلاد الواق واق!"
ضحك بدر وقال: "أنا أراك يا عمي! أنت في الشارع الخلفي تمامًا! فقط لف وارجع، بيتي هو ثالث فيلا على الشارع الرئيسي الذي كنت فيه قبل قليل!"
نظر أبو ناصر نحو الشارع الرئيسي الذي كان يراه بوضوح الآن، على بعد أقل من مئة متر. شعر بالدم يغلي في عروقه. كيف أوصله هذا الجهاز العبقري إلى هنا عبر هذه المتاهة؟!
عندما وصل أخيرًا إلى منزل بدر، واستقبله ابن أخيه بابتسامة واسعة، لم يستطع أبو ناصر منع نفسه من الصراخ: "هذه التكنولوجيا لا فائدة منها! أيام زمان كنا نسأل و نوصل أسرع!". ألقى بدر نظرة على هاتف عمه الذي كان لا يزال يعرض الخريطة الملتوية، ثم ضحك مرة أخرى. "يا عمي، يبدو أنك شغلت نظام الملاحة على وضع 'الرحلة الشعرية الاستكشافية' بدلاً من 'أسرع طريق'!"
جلس أبو ناصر لتناول العشاء وهو لا يزال يتمتم بغضب عن "المساعدات الصوتية المربكة" و "الشوارع التي تشبه أذن الجمل"، لكن في أعماقه، كان يعلم أن لديه الآن قصة طريفة ومبالغ فيها سيرويها لأصدقائه في الاستراحة لأسابيع قادمة.
(نهاية القصة القصيرة)
مدونة السطر التالي..!