قصة قصيرة: طائر الفجر الخشبي | حكاية من المدينة المنورة

 
أبو صالح، بائع مسواك مسن، يرتب بضاعته بهدوء قرب المسجد النبوي قبيل الفجر

طائر الفجر الخشبي: 

   الهواء البارد النقي الذي يسبق فجر يوم الجمعة في مدينة رسول الله كان يداعب لحية أبي صالح البيضاء وهو يرتب أعواد المسواك وعقود السُبح الملونة بعناية على بساطه الصغير المفروش فوق الرصيف النظيف. بسطته المتواضعة كانت جزءًا من المشهد الهادئ قرب الساحات الخارجية للمسجد النبوي الشريف لعقود طويلة، شاهدة صامتة على ملايين الخطوات ومناجاة القلوب التي تتجه نحو البيت الطاهر.

كانت هذه الساعة، قبل أن يرتفع نداء الحق معلنًا بدء يوم جديد، هي أحب الساعات إلى قلبه. سكون ممزوج بترقب، ظلام تتخلله أنوار المسجد الدافئة كنجوم أرضية، وعدد قليل من المصلين المبكرين يسيرون بخطى وئيدة، وجوههم تحمل سكينة خاصة. رأى عمال النظافة بملابسهم البرتقالية يؤدون عملهم بهمة صامتة، ورأى بضع قطط تتجول بحذر بين الأعمدة. حياة بسيطة ورزق قليل، لكنه كان يشعر ببركة تغمر المكان وروحه لا يجدها في أي بقعة أخرى على وجه الأرض.

وبينما هو يتأمل هذا المشهد المألوف، مر أمامه شاب يرتدي ثوبًا أبيض نظيفًا، يبدو أنه طالب جامعي، يسير بخطى سريعة جدًا وعلامات القلق والتوتر بادية على وجهه، كأنه تأخر عن موعد مهم أو يبحث عن شيء ضائع. لم ينتبه الشاب لأبي صالح الجالس على الأرض، وفي عجلته، سقط من جيبه شيء صغير داكن اللون دون أن يشعر.

انحنى أبو صالح بصعوبة بسيطة والتقط الشيء. كان طائرًا خشبيًا صغيرًا، منحوتًا بمهارة ودقة واضحتين، ربما من خشب الأبنوس أو الصندل، تفاصيله دقيقة وناعمة الملمس. بدا أنه قطعة عزيزة، ربما تذكار أو هدية ثمينة. وضعه أبو صالح بحرص بجانبه على البساط، وعاد يراقب المارة القلائل بنظرته الهادئة.

لم يمر وقت طويل حتى عاد الشاب نفسه، يركض الآن في الاتجاه المعاكس، عيناه تجولان في الأرض بلهفة ويأس واضحين، يضرب على جيوبه ويتلفت حوله بقلق شديد. عندما اقترب من بسطة أبي صالح، لمح الطائر الخشبي موضوعًا بجانبه. توقف فجأة، واتسعت عيناه بدهشة وارتياح كبيرين.

"هذا... هذا لي! لقد وقع مني!" قال بصوت لاهث وهو يشير إلى الطائر.

ابتسم أبو صالح ابتسامة ودودة ومد يده بالطائر الصغير. "تفضل يا بني. الأشياء الثمينة تحتاج عناية أكبر."

تناول الشاب الطائر بيدين مرتعشتين، وتفحصه ليتأكد من سلامته، ثم نظر إلى أبي صالح بامتنان عميق. "شكرًا لك يا عم، شكرًا جزيلاً! لا أعرف كيف أشكرك، هذا الطائر يعني لي الكثير..." أخرج الشاب محفظته بسرعة وأراد أن يعطيه نقودًا، لكن أبا صالح رفع يده برفق ورفض.

"رزقي على الله يا بني، والحمد لله. احتفظ بنقودك، فقط انتبه أكثر في المرة القادمة."

نظر الشاب إلى وجه الرجل العجوز الطيب، وشعر بالخجل والامتنان يغمرانه. "جزاك الله خيرًا يا عم، وبارك الله في رزقك." قالها بصدق، وابتسامة صافية ترتسم على وجهه المتعب.

في تلك اللحظة، وبينما كان الشاب يبتعد بخطى أهدأ وقد عاد إليه أمانه، انطلق صوت المؤذن العذب والندي من مآذن المسجد النبوي، يرفع أذان الفجر الأول ليوم الجمعة. اهتز الهواء بالنداء المبارك، وشعر أبو صالح بسلام عميق يغمر قلبه. لم يكن يملك الكثير في هذه الدنيا، لكنه كان هنا، في أطهر بقاع الأرض، في هذه الساعة المباركة، وقد ساهم للتو، بعمله البسيط، في إعادة طمأنينة صغيرة لقلب شاب قلق. ابتسم وهو يجمع حبات سبحة من العقيق، مستعدًا ليوم جديد ورزق جديد، وتحت سمعه، كان نداء الفجر يرسم "السطر التالي" في يوم مبارك آخر في مدينة السلام.


(نهاية القصة القصيرة)


مدونة السطر التالي..! https://theneextline.blogspot.com

تعليقات