ظل العصرية البارد

 

أم فيصل تجلس بهدوء في شرفة منزلها بعد الظهيرة، تتأمل الشارع الهادئ.

   كانت عصرية يوم الجمعة تلقي بظلالها الطويلة والباردة على الحارة الهادئة. جلست أم فيصل على كرسيها الخشبي المفضل في شرفة منزلها بالطابق الأول، تتأمل الشارع شبه الخالي إلا من بضعة أطفال يلعبون الكرة في آخر الزقاق، وقطة تتثاءب بكسل تحت ظل سيارة قديمة. رائحة بخور العود الخفيفة التي أشعلتها بعد صلاة العصر وصلاة زوجها الراحل الغائب، رحمه الله، تمتزج بنسيم العصر اللطيف.

كم جمعة مرت عليها وهي تجلس هنا؟ لا تعد ولا تحصى. تذكرت أيام الجمعة قديماً، عندما كان أبو فيصل يعود من المسجد ووجهه يفيض نوراً وسكينة، ويجلس بجانبها في هذه الشرفة نفسها، يحتسيان الشاي بالنعناع ويتحدثان عن أمور الأسبوع، عن الأولاد، عن الجيران. كانت ضحكته تملأ المكان، وصوته العميق يطمئنها. الآن، لم يبق سوى الصمت، وظل الكرسي المجاور فارغاً إلا من ذكرياتها.

تنهدت بعمق، لكنها لم تكن تنهيدة حزن بقدر ما كانت تنهيدة قبول وتسليم. الحمد لله على كل حال. وبينما هي سارحة في أفكارها، سمعت صوت جارتها أم سعيد تناديها من الأسفل. "يا أم فيصل! كيف حالك يا غالية؟"

ابتسمت أم فيصل ولوحت لها بيدها. "بخير ونعمة يا أم سعيد، تفضلي."

"الله يزيدك من فضله. لا والله مستعجلة، الأولاد ينتظروني. بس حبيت أرسلك صحن هالرطب الطيب، تونا جايبينه من المزرعة." رفعت أم سعيد صحناً صغيراً مليئاً بالرطب الذهبي اللامع. نزلت ابنة أم فيصل الصغيرة بسرعة لتأخذ الصحن وتصعد به لجدتها.

"الله يجزاك خير يا أم سعيد ويكثر خيرك، ما انحرم منك ومن كرمك." قالت أم فيصل بصوت دافئ.

عادت إلى كرسيها، ووضعت صحن الرطب بجانبها. تناولت حبة، طعمها الحلو ذكّرها بحلاوة الأيام، حتى تلك التي تحمل مرارة الفقد. نظرت إلى ظل العصر الذي ازداد طولاً، وشعرت بلحظة سلام هادئة تغمرها. صحيح أن أبا فيصل قد رحل، لكن آثاره الطيبة باقية في محبة الجيران، في بركة المكان، وفي هذه اللحظات الصغيرة من التواصل والكرم التي تجعل ظلال العصر الباردة أقل وحشة.


نهاية القصة

مدونة السطر التالي..! https://theneextline.blogspot.com

تعليقات